أنها متماثلة في تمام ماهياتها. والأول مسلم لكن حصولها في الأحياز صفات لتلك الذوات والاشتراك في الصفات لا يوجب الاشتراك في ماهيات المواصفات سلمنا أن الأجسام متماثلة فلم لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى خص بعضها بهذه القدرة دون البعض حتى أنه يصح منها ذلك ولا يصح من البشر ذلك والجواب الحق أن المعتمد في دفع هذا الاحتمال اجماع الأمة فقط والله أعلم.
المسألة الثالثة: الزكي يفيد أمورا ثلاثة: الأول: أنه الطاهر من الذنوب. والثاني: أنه ينمو على التزكية لأنه يقال فيمن لا ذنب له زكي، وفي الزرع النامي زكي. والثالث: النزاهة والطهارة فيما يجب أن يكون عليه ليصح أن يبعث نبيا وقال بعض المتكلمين الأولى أن يحمل على الكل وهو ضعيف لما عرفت في أصول الفقه أن اللفظ الواحد لا يجوز حمله على المعنيين سواء كان حقيقة فيهما أو في أحدهما مجازا وفي الآخر حقيقة.
المسألة الرابعة: سماه زكيا مع أنه لم يكن له شيء من الدنيا وأنت إذا نظرت في سوقك فمن لم يملك شيئا فهو شقي عندك. وإنما الزكي من يملك المال والله يقول كان زكيا، لأن سيرته الفقر وغناه الحكمة والكتاب وأنت فإنما تسمى بالزكي من كانت سيرته الجهل وطريقته المال.
قوله تعالى * (قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أنها إنما تعجبت بما بشرها جبريل عليه السلام لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور وإن جوزوا خلاف ذلك في القدرة فليس في قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه تعالى قادر على خلق الولد ابتداء وكيف وقد عرفت أنه تعالى خلق أبا البشر على هذا الحد ولأنها كانت منفردة بالعبادة ومن يكون كذلك لا بد من أن يعرف قدرة الله تعالى على ذلك.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول قولها: * (ولم يمسسني بشر) * يدخل تحته قولها: * (ولم أك بغيا) * فلماذا أعادتها ومما يؤكد هذا السؤال أن في سورة آل عمران قالت: * (رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء) * (آل عمران: 47) فلم تذكر البغاء والجواب من وجوه: أحدها: أنها جعلت المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه لقوله: * (من قبل أن تمسوهن) * (الأحزاب: 49) والزنا ليس كذلك إنما يقال فجر بها أو ما أشبه ذلك ولا يليق به رعاية الكنايات. وثانيها: أن أعادتها لتعظيم حالها كقوله: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * (البقرة: 238) وقوله: * (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) *