البحث الثالث: تقرير هذا الجواب أن يقال: إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء أو طلبتم مني أن أطلب من الله تعالى إظهارها على يدي لتدل على كوني رسولا حقا من عند الله. والأول باطل لأني بشر والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء والثاني أيضا باطل لأني قد أتيتكم بمعجزة واحدة وهي القرآن والدلالة على كونها معجزة فطلب هذه المعجزات طلب لما لا حاجة إليه ولا ضرورة فكأن طلبها يجري مجرى التعنت والتحكم وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على الله فسقط هذا السؤال فثبت أن قوله: * (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * جواب كاف في هذا الباب، وحاصل الكلام أنه سبحانه بين بقوله: * (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * كونهم على الضلال في الإلهيات، وفي النبوات. أما في الإلهيات فيدل على ضلالهم قوله سبحان ربي أي سبحانه عن أن يكون له إتيان ومجئ وذهاب وأما في النبوات فيدل على ضلالهم قوله: * (هل كنت إلا بشرا رسولا) * وتقريره ما ذكرناه.
قوله تعالى * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا * قل لو كان فى الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السمآء ملكا رسولا * قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * اعلم أنه تعالى لما حكى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزائدة وأجاب عنها حكى عنهم شبهة أخرى وهي أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولا من البشر بل اعتقدوا أن الله تعالى لو أرسل رسولا إلى الخلق لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه. الأول: قوله: * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) * وتقرير هذا الجواب أن بتقدير أن يبعث الله ملكا رسولا إلى الخلق فالخلق إنما يؤمنون بكونه رسولا من عند الله لأجل قيام المعجز الدال على صدقه وذلك المعجز هو الذي يهديهم إلى معرفة ذلك الملك في ادعاء رسالة الله تعالى فالمراد من قوله تعالى: * (إذ جاءهم الهدى) * هو المعجز فقط فهذا المعجز سواء ظهر على يد الملك أو على يد البشر وجب الإقرار برسالته فثبت أن يكون قولهم بأن الرسول لا بد وأن يكون