مخالف للخطاب الأول، ويدل عليه قوله: * (ثم ننجي الذين اتقوا) * أي من الواردين من اتقى ولا يجوز أن يقال: * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) * إلا والكل واردون والأخبار المروية دالة على هذا القول، ثم هؤلاء اختلفوا في تفسير الورود فقال بعضهم: الورود الدنو من جهنم وأن يصيروا حولها وهو موضع المحاسبة، واحتجوا على أن الورود قد يراد به القرب بقوله تعالى: * (فأرسلوا واردهم) * (يوسف: 19) ومعلوم أن ذلك الوارد ما دخل الماء وقال تعالى: * (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون) * (القصص: 23) وأراد به القرب. ويقال: وردت القافلة البلدة وإن لم تدخلها فعلى هذا معنى الآية أن الجن والإنس يحضرون حول جهنم: * (كان على ربك حتما مقضيا) * (مريم: 71) أي واجبا مفروغا منه بحكم الوعيد ثم ننجي أي نبعد الذين اتقوا عن جهنم وهو المراد من قوله تعالى: * (أولئك عنها مبعدون) * (الأنبياء: 101) ومما يؤكد هذا القول ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية فقالت حفصة: أليس الله يقول: * (وإن منكم إلا واردها) * فقال عليه السلام فمه ثم ننجي الذين اتقوا "، ولو كان الورود عبارة عن الدخول لكان سؤال حفصة لازما. القول الثاني: أن الورود هو الدخول ويدل عليه الآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) * (الأنبياء: 98) وقال: * (فأوردهم النار وبئس الورد المردود) * (هود: 98) ويدل عليه قوله تعالى: * (أولئك عنها مبعدون) * والمبعد هو الذي لولا التبعيد لكان قريبا فهذا إنما يحصل لو كانوا في النار، ثم إنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى: * (ونذر الظالمين فيها جثيا) * وهذا يدل على أنهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلا بد وأن يكونوا قد دخلوا النار، وأما الخبر فهو أن عبد الله بن رواحة قال: " أخبر الله عن الورود ولم يخبر بالصدور، فقال عليه السلام: يا ابن رواحة اقرأ ما بعدها ثم ننجي الذين اتقوا "، وذلك يدل على أن ابن رواحة فهم من الورود الدخول والنبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه في ذلك وعن جابر: " أنه سئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما حتى أن للناس ضجيجا من بردها ". والقائلون بهذا القول يقولون: المؤمنون يدخلون النار من غير خوف وضرر البتة بل مع الغبطة والسرور وذلك لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * (الأنبياء: 103) ولأن الآخرة دار الجزاء لا دار التكليف، وإيصال الغم والحزن إنما يجوز في دار التكليف، ولأنه صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة تبشر في القبر من كان من أهل الثواب بالجنة حتى يرى مكانه في الجنة ويعلمه ". وكذلك القول في حال المعاينة فكيف يجوز أن يردوا القيامة وهم شاكون في أمرهم، وإنما تؤثر هذه الأحوال في أهل النار لأنهم لا يعلمون كونهم من أهل النار والعقاب، ثم اختلفوا في أنه كيف يندفع عنهم ضرر النار، فقال بعضهم: البقعة المسماة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها ما لا نار فيه، ويكون من المواضع التي يسلك فيها إلى دركات جهنم، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يدخل الكل في جهنم فالمؤمنون يكونون في تلك المواضع الخالية عن النار، والكفار يكونون في وسط
(٢٤٣)