وذلك أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه وأن يزيلوه عن منهجه، فبين تعالى أنه يثبته على الدين القويم والمنهج المستقيم، وعلى هذا الطريق فلا حاجة في تفسير هذه الآيات إلى شيء من تلك الروايات. والله أعلم.
قوله تعالى * (وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) * في هذه الآية قولان: الأول: قال قتادة: هم أهل مكة هموا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، ولو فعلوا ذلك ما أمهلوا، ولكن الله منعهم من اخراجه، حتى أمره الله بالخروج، ثم إنه قل لبثهم بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حتى بعث الله عليهم القتل يوم بدر وهذا قول مجاهد. والقول الثاني: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم فقالوا: يا أبا القاسم إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام وهي بلاد مقدسة وكانت مسكن إبراهيم فلو خرجت إلى الشام آمنا بك واتبعناك وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم. فعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة قيل بذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازما على الخروج إلى الشام لحرصه على دخول الناس في دين الله فنزلت هذه الآية فرجع. فالقول الأول اختيار الزجاج وهو الوجه لأن السورة مكية فإن صح القول الثاني كانت الآية مدنية، والأرض في قوله: * (ليستفزونك من الأرض) * على القول الأول مكة وعلى القول الثاني المدينة وكثر في التنزيل ذكر الأرض والمراد منها مكان مخصوص كقوله: * (أو ينفوا من الأرض) * (المائدة: 33) يعني من مواضعهم وقوله: * (فلن أبرح الأرض) * (يوسف: 80) يعني الأرض التي كان قصدها لطلب الميرة، فإن قيل قال الله تعالى: * (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك) * (محمد: 13) يعني مكة والمراد أهلها فذكر أنهم أخرجوه وقال في هذه الآية: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) * فكيف (يمكن) الجمع بينهما على قول من قال الأرض في هذه الآية مكة؟ قلنا: إنهم هموا بإخراجه وهو عليه السلام ما خرج بسبب إخراجهم وإنما خرج بأمر الله تعالى، فزال التناقض. ثم قال تعالى: * (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو عن عاصم خلفك بفتح الخاء وسكون اللام