مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سربا * فلما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت ومآ أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجبا * قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على ءاثارهما قصصا) * اعلم أن هذا ابتداء قصة ثالثة ذكرها الله تعالى في هذه السورة وهي أن موسى عليه السلام ذهب إلى الخضر عليه السلام ليتعلم منه العلم، وهذا وإن كان كلاما مستقلا في نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود في القصتين السابقتين. أما نفع هذه القصة في الرد على الكفار الذين افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأنصار، فهو أن موسى عليه السلام مع كثرة علمه وعمله وعلو منصبه واستجماع موجبات الشرف التام في حقه ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له وذلك يدل على أن التواضع خير من التكبر، وأما نفع هذه القصة في قصة أصحاب الكهف فهو أن اليهود قالوا لكفار مكة: إن أخبركم محمد عن هذه القصة فهو نبي وإلا فلا، وهذا ليس بشيء لأنه لا يلزم من كونه نبيا من عند الله تعالى أن يكون عالما بجميع القصص والوقائع، كما أن كون موسى عليه السلام نبيا صادقا من عند الله لم يمنع من أمر الله إياه بأن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه فظهر مما ذكرنا أن هذه القصة قصة مستقلة بنفسها، ومع ذلك فهي نافعة في تقرير المقصود في القصتين المتقدمتين.
المسألة الثانية: أكثر العلماء على أن موسى المذكور في هذه الآية هو موسى بن عمران صاحب المعجزات الظاهرة وصاحب التوراة. وعن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس: إن نوفا ابن امرأة كعب يزعم أن الخضر ليس صاحب موسى بن عمران، وإنما هو صاحب موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب، وقيل هو كان نبيا قبل موسى بن عمران فقال ابن عباس كذب عدو الله، واعلم أنه كان ليوسف عليه السلام ولدان أفرائيم وميشا فولد افرائيم نون وولد نون يوشع بن نون وهو صاحب موسى وولي عهده بعد وفاته، وأما ولد ميشا فقيل إنه جاءته النبوة قبل موسى بن عمران، ويزعم أهل التوراة أنه هو الذي طلب هذا العلم ليتعلم والخضر هو الذي خرق