بهذين الوصفين لأنها كانت أفعالا خارقة للعادة وصرائح العقول تشهد بأن قلب العصا حية معجزة عظيمة لا يقدر عليها إلا الله ثم إن تلك الحية تلقفت حبال السحرة وعصيهم على كثرتها ثم عادت عصا كما كانت فأصناف تلك الأفعال لا يقدر عليها أحد إلا الله، وكذا القول في فرق البحر وإظلال الجبل فثبت أن تلك الأشياء ما أنزلها إلا رب السماوات. الصفة الثانية: أنه تعالى إنما خلقها لتدل على صدق موسى في دعوة النبوة، وهذا هو المراد من قوله: * (ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) * حال كونها بصائر أي دالة على صدق موسى في دعواه وهذه الدقائق لا يمكن فهمها من القرآن إلا بعد إتقان علم الأصول وأقول يبعد أن يصير غير علم الأصول العقلي قاهرا في تفسير كلام الله ثم حكى تعالى أن موسى قال لفرعون: * (إني لأظنك يا فرعون مثبورا) * (الإسراء: 103) واعلم أن فرعون قال لموسى: * (وإني لأظنك يا موسى مسحورا) * فعارضه موسى وقال له: * (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) * قال الفراء: المثبور الملعون المحبوس عن الخير والعرب تقول ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وما صرفك، وقال أبو زيد: يقال ثبرت فلانا عن الشيء أثبره أي رددته عنه، وقال مجاهد وقتادة هالكا، وقال الزجاج: يقال ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك، والثبور الهلاك، ومن معروف الكلام فلان يدعو بالويل والثبور عند مصيبة تناله، وقال تعالى: * (دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) * (الفرقان: 13، 14) واعلم أن فرعون لما وصف موسى بكونه مسحورا أجابه موسى بأنك مثبور يعني هذه الآيات ظاهرة، وهذه المعجزات قاهرة ولا يرتاب العاقل في أنها من عند الله وفي أنه تعالى إنما أظهرها لأجل تصديقي وأنت تنكرها فلا يحملك على هذا الإنكار إلا الحسد والعناد والغي والجهل وحب الدنيا ومن كان كذلك كانت عاقبته الدمار والثبور. ثم قال تعالى: * (فأراد أن يستفزهم من الأرض) * يعني أراد فرعون أن يخرجهم يعني موسى وقومه بني إسرائيل، ومعنى تفسير الاستفزاز تقدم في هذه السورة من الأرض يعني أرض مصر، قال الزجاج: لا يبعد أن يكون المراد من استفزازهم إخراجهم منهم بالقتل أو بالتنحية ثم قال: * (فأغرقناه ومن معه جميعا) * المعنى ما ذكره الله تعالى في قوله: * (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) * (فاطر: 43) أراد فرعون أن يخرج موسى من أرض مصر لتخلص له تلك البلاد والله تعالى أهلك فرعون وجعل ملك مصر خالصة لموسى ولقومه وقال: * (لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) * خالصة لكم خالية من عدوكم قال تعالى: * (فإذا جاء وعد الآخرة) * يريد القيامة * (جئنا بكم لفيفا) * من ها هنا وها هنا، واللفيف الجمع العظيم من أخلاط شتى من الشريف والدنئ والمطيع والعاصي والقوي والضعيف. وكل شيء خلطته بشيء آخر فقد لففته، ومنه قيل لففت الجيوش إذا ضربت بعضها ببعض وقوله التفت الزحوف ومنه، التفت الساق بالساق، والمعنى جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر أخلاطا يعني جميع الخلق المسلم والكافر والبر والفاجر.
(٦٦)