الثامنة: هي قوله: * (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم: لام التعريف في السلام منصرف إلى ما تقدم في قصتي يحيى عليه السلام من قوله: * (وسلام عليه) * (مريم: 15) أي السلام الموجه إليه في المواطن الثلاثة موجه إلي أيضا وقال صاحب " الكشاف ": الصحيح أن يكون هذا التعريف تعويضا باللعن على من اتهم مريم بالزنا وتحقيقه أن اللام للاستغراق فإذا قال: * (والسلام علي) * فكأنه قال وكل السلام علي وعلى أتباعي فلم يبق للأعداء إلا اللعن ونظيره قول موسى عليه السلام: * (والسلام على من اتبع الهدى) * (طه: 47) بمعنى أن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام اللجاج والعناد ويليق به مثل هذا التعريض.
المسألة الثانية: روى بعضهم عن عيسى عليه السلام أنه قال ليحيى أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي وأجاب الحسن فقال: إن تسليمه على نفسه بتسليم الله عليه.
المسألة الثالثة: قال القاضي: السلام عبارة عما يحصل به الأمان ومنه السلامة في النعم وزوال الآفات فكأنه سأل ربه وطلب منه ما أخبر الله تعالى أنه فعله بيحيى، ولا بد في الأنبياء من أن يكونوا مستجابي الدعوة وأعظم أحوال الإنسان احتياجا إلى السلامة هي هذه الأحوال الثلاثة وهي يوم الولادة ويوم الموت ويوم البعث فجميع الأحوال التي يحتاج فيها إلى السلامة واجتماع السعادة من قبله تعالى طلبها ليكون مصونا عن الآفات والمخافات في كل الأحوال، واعلم أن اليهود والنصارى ينكرون أن عيسى عليه السلام تكلم في زمان الطفولية واحتجوا عليه بأن هذا من الوقائع العجيبة التي تتوافر الدواعي على نقلها فلو وجدت لنقلت بالتواتر ولو كان ذلك لعرفه النصارى لا سيما وهم من أشد الناس بحثا عن أحواله وأشد الناس غلوا فيه حتى زعموا كونه إلها ولا شك أن الكلام في الطفولية من المناقب العظيمة والفضائل التامة فلما لم تعرفه النصارى مع شدة الحب وكمال البحث عن أحواله علمنا أنه لم يوجد ولأن اليهود أظهروا عداوته حال ما أظهر ادعاء النبوة فلو أنه عليه السلام تكلم في زمان الطفولية وادعى الرسالة لكانت عداوتهم معه أشد ولكان قصدهم قتله أعظم فحيث لم يحصل شيء من ذلك علمنا أنه ما تكلم، أما المسلمون فقد احتجوا من جهة العقل على أنه تكلم فإنه لولا كلامه الذي دلهم على براءة أمه من الزنا لما تركوا إقامة الحد على الزنا عليها ففي تركهم لذلك دلالة على أنه عليه السلام تكلم في المهد وأجابوا عن الشبهة الأولى بأنه ربما كان الحاضرون عند كلامه قليلين فلذلك لم يشتهر وعن الثاني لعل اليهود ما حضروا هناك وما سمعوا كلامه فلذلك لم يشتغلوا بقصد قتله.
قوله تعالى * (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * وفيه مسائل: