ثم يدعو بالمبتلى فإذا قال شغلتني بالبلاء دعا بأيوب عليه السلام فيقول: قد ابتليت هذا بأشد من بلائك فلم يمنعه ذلك عن عبادتي فيؤمر به إلى النار، ثم يؤتى بالملك في الدنيا مع ما آتاه الله من الغنى والسعة فيقول: ماذا عملت فيما آتيتك فيقول شغلني الملك عن ذلك فيدعى بسليمان عليه السلام فيقول: هذا عبدي سليمان آتيته أكثر ما آتيتك فلم يشغله ذلك عن عبادتي اذهب فلا عذر لك ويؤمر به إلى النار "، وعن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لن يزول قدم العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه كيف عمل به ".
المسألة الثالثة: دلت الآية على إثبات صغائر وكبائر في الذنوب، وهذا متفق عليه بين المسلمين إلا أنهم اختلفوا في تفسيره فقالت المعتزلة: الكبيرة ما يزيد عقابه على ثواب فاعله، والصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب فاعله، واعلم أن هذا الحد إنما يصح لو ثبت أن الفعل يوجب ثوابا وعقابا وذلك عندنا باطل لوجوه كثيرة ذكرناها في سورة البقرة، في إبطال القول بالإحباط والتكفير بل الحق عندنا أن الطاعات محصورة في نوعين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فكل ما كان أقوى في كونه جهلا بالله كان أعظم في كونه كبيرة، وكل ما كان أقوى في كونه إضرارا بالغير كان أكثر في كونه ذنبا أو معصية فهذا هو الضبط.
قوله تعالى * (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أوليآء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا * مآ أشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا * ويوم يقول نادوا شركآئى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا * ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها