إلى قوله: * (ربي أهانن) * (الفجر: 16) وكذلك قوله: * (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) * (المعارج: 19 - 20 - 21) ثم قال تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * قال الزجاج: الشاكلة الطريقة والمذهب. والدليل عليه أنه يقال هذا طريق ذو شواكل أي يتشعب منه طرق كثيرة ثم الذي يقوي عندي أن المراد من الآية ذلك قوله تعالى: * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * وفيه وجه آخر وهو أن المراد أن كل أحد يفعل على وفق ما شاكل جوهر نفسه ومقتضى روحه فإن كانت نفسه نفسا مشرقة خيرة طاهرة علوية صدرت عنه أفعال فاضلة كريمة وإن كانت نفسه نفسا كدرة نذلة خبيثة مضلة ظلمانية صدرت عنه أفعال خسيسة فاسدة، وأقول: العقلاء اختلفوا في أن النفوس الناطقة البشرية هل هي مختلفة بالماهية أم لا؟ منهم من قال: إنها مختلفة بالماهية وإن اختلاف أفعالها وأحوالها لأجل اختلاف جواهرها وماهياتها، ومنهم من قال إنها متساوية في الماهية واختلاف أفعالها لأجل اختلاف أمزجتها. والمختار عندي هو القسم الأول والقرآن مشعر بذلك، وذلك لأنه تعالى بين في الآية المتقدمة أن القرآن بالنسبة إلى البعض يفيد الشفاء والرحمة وبالنسبة إلى أقوام آخرين يفيد الخسارة والخزي ثم أتبعه بقوله: * (قل كل يعمل على شاكلته) * ومعناه أن اللائق بتلك النفوس الطاهرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الذكاء والكمال، وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار وتسود وجهه. وهذا الكلام إنما يتم المقصود منه إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة بماهياتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور وبعضها كدرة ظلمانية يظهر فيها من القرآن ضلال على ضلال ونكال على نكال.
قوله تعالى * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا) * اعلم أنه تعالى لما ختم الآية المتقدمة بقوله: * (كل يعمل على شاكلته) * وذكرنا أن المراد منه مشاكلة الأرواح للأفعال الصادرة عنها وجب البحث ها هنا عن ماهية الروح وحقيقته فلذلك سألوا عن الروح وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال أظهرها أن المراد منه الروح الذي هو سبب الحياة، روى أن اليهود قالوا لقريش اسألوا محمدا عن ثلاث فإن أخبركم باثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي: اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الثلاثة فقال عليه السلام: غدا أخبركم ولم يقل إن شاء