نوفل على بلال وهو يعذب قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء، ويقول: أحد أحد فقال: والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا أي معظما. الصفة الرابعة: قوله: * (وزكاة) * وفيه وجوه: أحدها: أن المراد وآتيناه زكاة أي عملا صالحا زكيا، عن ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جريج. وثانيها: زكاة لمن قبل منه حتى يكونوا أزكياء عن الحسن. وثالثها: زكيناه بحسن الثناء كما تزكى الشهود الإنسان. ورابعها: صدقة تصدق الله بها على أبويه عن الكبي. وخامسها: بركة ونماء وهو الذي قال عيسى عليه الصلاة والسلام: * (وجعلني مباركا أينما كنت) * (مريم: 31) واعلم أن هذا يدل على أن فعل العبد خلق لله تعالى لأنه جعل طهارته وزكاته من الله تعالى وحمله على الألطاف بعيد لأنه عدول عن الظاهر. الصفة الخامسة: قوله: * (وكان تقيا) * وقد عرفت معناه وبالجملة فإنه يتضمن غاية المدائح لأنه هو الذي يتقي نهي الله فيجتنبه ويتقي أمره فلا يهمله، وأولى الناس بهذا الوصف من لم يعص الله ولا يهم بمعصية وكان يحيى عليه الصلاة والسلام كذلك، فإن قيل ما معنى: * (وكان تقيا) * وهذا حين ابتداء تكليفه قلنا: إنما خاطب الله تعالى بذلك الرسول وأخبر عن حاله حيث كان كما أخبر عن نعم الله عليه. الصفة السادسة: قوله: * (وبرا بوالديه) * وذلك لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى مثل تعظيم الوالدين، ولهذا السبب قال: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (الإسراء: 23). الصفة السابعة: قوله: * (ولم يكن جبارا) * والمراد وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين كقوله تعالى: * (واخفض جناحك للمؤمنين) * (الحجر: 88) وقال تعالى: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 159) ولأن رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به الترفع والتجبر، ولذلك فإن إبليس لما تجبر وتمرد صار مبعدا عن رحمة الله تعالى وعن الدين وقيل الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقا وهو من العظم والذهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حق أحد، وقال سفيان في قوله: * (جبارا عصيا) * إنه الذي يقبل على الغضب والدليل عليه قوله تعالى: * (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض) * (القصص: 19) وقيل: كل من عاقب على غضب نفسه من غير حق فهو جبار لقوله تعالى: * (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) * (الشعراء: 130). الصفة الثامنة: قوله: * (عصيا) * وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم. الصفة التاسعة: قوله: * (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) * وفيه أقوال: أحدها: قال محمد بن جرير الطبري: * (وسلام عليه) * أي أمان من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم: * (ويوم يموت) * أي وأمان عليه من عذاب القبر: * (ويوم يبعث حيا) * أي ومن عذاب القيامة. وثانيها: قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما ما شاهدهم قط، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فأكرم الله يحيى عليه الصلاة والسلام فخصه بالسلام عليه في هذه المواطن الثلاثة. وثالثها: قال عبد الله بن نفطويه: * (وسلام عليه يوم ولد) * أي أول ما يرى الدنيا * (ويوم
(١٩٣)