أي لا رب للمخلوقات سوى الله تعالى وذلك يدل على التوحيد، أما قوله: * (فاعبدوه) * فقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فههنا الأمر بالعبادة وقع مرتبا على ذكر وصف الربوبية فدل على أنه إنما تلزمنا عبادته سبحانه لكونه ربا لنا، وذلك يدل على أنه تعالى إنما تجب عبادته لكونه منعما على الخلائق بأصول النعم وفروعها، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام لما منع أباه من عبادة الأوثان قال: * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * يعني أنها لما لم تكن منعمة على العباد لم تجز عبادتها، وبهذه الآية ثبت أن الله تعالى لما كان ربا ومربيا لعباده وجب عبادته، فقد ثبت طردا وعكسا تعلق العبادة بكون المعبود منعما، أما قوله: * (هذا صراط مستقيم) * يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم وأنه سمي هذا القول بالصراط المستقيم تشبيها بالطريق لأنه المؤدي إلى الجنة، أما قوله تعالى: * (فاختلف الأحزاب من بينهم) * ففي الأحزاب أقوال: الأول: المراد فرق النصارى على ما بينا أقسامهم. الثاني: المراد النصارى واليهود فجعله بعضهم ولدا وبعضهم كذابا. الثالث: المراد الكفار الداخل فيهم اليهود والنصارى والكفار الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وإذا قلنا المراد بقوله: * (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه) * أي قل يا محمد إن الله ربي وربكم، فهذا القول أظهر لأنه لا تخصيص فيه، وكذا قوله: * (فويل للذين كفروا) * مؤكد لهذا الاحتمال، وأما قوله: * (من مشهد يوم عظيم) * فالمشهد إما أن يكون هو الشهود وما يتعلق به أو الشهادة وما يتعلق بها. أما الأول: فيحتمل أن يكون المراد من المشهد نفس شهودهم هول الحساب، والجزاء في القيامة أو مكان الشهود فيه وهو الموقف، أو وقت الشهود، وأما الشهادة فيحتمل أن يكون المراد شهادة الملائكة والأنبياء وشهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر وسوء الأعمال، وأن يكون مكان الشهادة أو وقتها، وقيل: هو ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه، وإنما وصف ذلك المشهد بأنه عظيم لأنه لا شيء أعظم مما يشاهد في ذلك اليوم من محاسبة ومساءلة، ولا شيء من المنافع أعظم مما هنالك من الثواب ولا بد من المضار أعظم مما هنالك من العقاب، أما قوله تعالى: * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قالوا: التعجب هو استعظام الشيء مع الجهل بسبب عظمه، ثم يجوز استعمال لفظ التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب أو من غير أن يكون للعظم سبب حصول، قال الفراء قال سفيان: قرأت عند شريح: * (بل عجبت ويسخرون) * (الصافات: 12) فقال: إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: إن شريحا شاعر يعجبه علمه، وعبد الله أعلم بذلك منه قرأها: * (بل عجبت ويسخرون) * ومعناه أنه صدر من الله تعالى فعل لو صدر مثله عن الخلق لدل على حصول التعجب في قلوبهم، وبهذا التأويل يضاف المكر والاستهزاء إلى الله تعالى، وإذا عرفت هذا فنقول: للتعجب صفتان: إحداهما: ما أفعله.