يموت) * أي أول يوم يرى فيه أول أمر الآخرة * (ويوم يبعث حيا) * أي أول يوم يرى فيه الجنة والنار وهو يوم القيامة. وإنما قال: * (حيا) * تنبيها على كونه من الشهداء لقوله تعالى: * (بل أحياء عند ربهم يرزقون) * (آل عمران: 169) فروع. الأول: هذا السلام يمكن أن يكون من الله تعالى وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين فدلالة شرفه وفضله لا تختلف لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى. الثاني: ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء عليهم السلام كقوله: * (سلام على نوح في العالمين) * (الصافات: 79). * (سلام على إبراهيم) * (الصافات: 109) لأنه قال و * (يوم ولد) * وليس ذلك لسائر الأنبياء عليهم السلام. الثالث: روي أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام: أنت أفضل مني لأن الله تعالى سلم عليك وأنا سلمت على نفسي، وهذا ليس يقوى لأن سلام عيسى على نفسه يجري مجرى سلام الله على يحيى لأن عيسى معصوم لا يفعل إلا ما أمره الله به. الرابع: السلام عليه يوم ولد لا بد وأن يكون تفضلا من الله تعالى لأنه لم يتقدم منه ما يكون ذلك جزاء له، وأما السلام عليه يوم يموت ويوم يبعث في المحشر، فقد يجوز أن يكون ثوابا كالمدح والتعظيم والله تعالى أعلم. القول في فوائد هذه القصة. الفائدة الأولى: تعليم آداب الدعاء وهي من جهات. أحدها: قوله: * (نداء خفيا) * (مريم: 3) وهو يدل على أن أفضل الدعاء ما هذا حاله ويؤكد قوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * (الأعراف: 55) ولأن رفع الصوت مشعر بالقوة والجلادة وإخفاء الصوت مشعر بالضعف والانكسار وعمدة الدعاء الإنكسار والتبري عن حول النفس وقوتها والاعتماد على فضل الله تعالى وإحسانه. وثانيها: أن المحتسب أن يذكر في مقدمة الدعاء عجز النفس وضعفها كما في قوله تعالى عنه: * (وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا) * (مريم: 4) ثم يذكر كثرة نعم الله على ما في قوله: * (ولم أكن بدعائك رب شقيا) * (مريم: 4).
وثالثها: أن يكون الدعاء لأجل شيء متعلق بالدين لا لمحض الدنيا كما قال: * (وإني خفت الموالي من ورائي) * (مريم: 5). ورابعها: أن يكون الدعاء بلفظ يا رب على ما في هذا الموضع. الفائدة الثانية: ظهور درجات زكريا ويحيى عليهما السلام أما زكريا فأمور: أحدها: نهاية تضرعه في نفسه وانقطاعه إلى الله تعالى بالكلية. وثانيها: إجابة الله تعالى دعاءه. وثالثها: أن الله تعالى ناداه وبشره أو الملائكة أو حصل الأمران معا. ورابعها: اعتقال لسانه عن الكلام دون التسبيح. وخامسها: أنه يجوز للأنبياء عليهم السلام طلب الآيات لقوله رب اجعل لي آية. الفائدة الثالثة: كونه تعالى قادرا على خلق الولد وإن كان الأبوان في نهاية الشيخوخة ردا على أهل الطبائع. الفائدة الرابعة: صحة الاستدلال في الدين لقوله تعالى: * (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) *. الفائدة الخامسة: أن المعدوم ليس بشيء والآية نص في ذلك فإن قيل المراد ولم تك شيئا مذكورا كما في قوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * (الإنسان: 1) قلنا: الإضمار خلاف الأصل وللخصم أن يقول الآية تدل على أن الإنسان لم يكن شيئا ونحن نقول به لأن الإنسان عبارة عن جواهر متألفة قامت بها أعراض مخصوصة والجواهر المتألفة الموصوفة بالأعراض المخصوصة