من الملائكة تحكما فاسدا وتعنتا باطلا. الوجه الثاني: من الأجوبة التي ذكرها الله في هذه الآية عن هذه الشبهة هو أن أهل الأرض لو كانوا ملائكة لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة لأن الجنس إلى الجنس أميل أما لو كان أهل الأرض من البشر لوجب أن يكون رسولهم من البشر وهو المراد من قوله: * (لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) *. الوجه الثالث: من الأجوبة المذكورة في هذه الآية قوله: * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * وتقريره أن الله تعالى لما أظهر المعجزة على وفق دعواي كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقا ومن شهد الله على صدقه فهو صادق فبعد ذلك قول القائل بأن الرسول يجب أن يكون ملكا لا إنسانا تحكم فاسد لا يلتفت إليه ولما ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة أردفها بما يجري مجرى التهديد والوعيد فقال: * (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * يعني يعلم ظواهرهم وبواطنهم ويعلم من قلوبهم أنهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد وحب الرياسة والاستنكاف من الانقياد للحق.
قوله تعالى * (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أوليآء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا * ذلك جزآؤهم بأنهم كفروا باياتنا وقالوا أءذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا) * اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات القوم في إنكار النبوة وأردفها بالوعيد الإجمالي وهو قوله: * (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * ذكر بعده الوعيد الشديد على سبيل التفصيل، أما قوله: * (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه) * فالمقصود تسلية الرسول وهو أن الذين سبق لهم حكم الله بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك الضلال واستحال أن يوجد من يصرفهم عن ذلك الضلال، واحتج أصحابنا بهذه الآية على صحة مذهبهم في الهدى والضلال والمعتزلة حملوا هذا الإضلال تارة على الإضلال عن طريق الجنة وتارة على منع الألطاف وتارة على التخلية وعدم التعرض له بالمنع وهذه المباحث قد ذكرناها مرارا فلا فائدة في الإعادة، أما قوله تعالى: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * فإن قيل كيف يمكنهم المشي على وجوههم قلنا الجواب من وجهين: الأول: إنهم يسحبون على وجوههم قال تعالى: * (يوم يسحبون في النار على وجوههم) * (القمر: 48). الثاني: روى أبو هريرة قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي