سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد. والوجه الثاني: أن يكون قوله فاسأل بني إسرائيل أي سلهم عن فرعون. وقل له أرسل معي بني إسرائيل. والوجه الثالث: سل بني إسرائيل أي سلهم أن يوافقوك والتمس منهم الإيمان الصالح. وعلى هذا التأويل فالتقدير فقلنا له سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك.
البحث الثاني: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يسأل بني إسرائيل معناه الذين كانوا موجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم والذين جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام هم الذين كانوا في زمانه إلا أن الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا أولاد أولئك الذين كانوا في زمان موسى حسنت هذه الكناية. ثم أخبر تعالى أن فرعون قال لموسى: * (إني لأظنك يا موسى مسحورا) * (الإسراء: 45) وفي لفظ المسحور وجوه. الأول: قال الفراء: إنه بمعنى الساحر كالمشؤوم والميمون وذكرنا هذا في قوله: * (حجابا مستورا) * أنه مفعول من السحر أي أن الناس سحروك وخبلوك فتقول هذه الكلمات لهذا السبب. الثالث: قال محمد بن جرير الطبري معناه أعطيت علم السحر، فهذه العجائب التي تأتي بها من ذلك السحر ثم أجابه موسى عليه الصلاة والسلام بقوله: * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) * وفيه مباحث:
البحث الأول: قرأ الكسائي علمت بضم التاء أي علمت أنها من علم الله فإن علمت وأقررت وإلا هلكت والباقون بالفتح وضم التاء قراءة علي وفتحها قراءة ابن عباس وكان علي رضي الله عنه يقول والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فاحتج بقوله: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * (النمل: 14) على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى عليه السلام قال الزجاج الأجود في القراءة الفتح لأن علم فرعون بأنها آيات نازلة من عند الله أوكد في الحجة فاحتجاج موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون بعلم فرعون أوكد من الاحتجاج بعلم نفسه. وأجاب الناصرون لقراءة علي عليه السلام عن دليل ابن عباس فقالوا قوله:: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * يدل على أنهم استيقنوا شيئا ما فأما أنهم استيقنوا كون هذه الآيات نازلة من عند الله فليس في الآية ما يدل عليه، وأجابوا عن الوجه الثاني بأن فرعون * (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * (الشعراء: 27) قال موسى: * (لقد علمت) * فكأنه نفي ذلك وقال لقد علمت صحة ما أتيت به علما صحيحا علم العقلاء. واعلم أن هذه الآيات من عند الله ولا تشك في ذلك بسبب سفاهتك.
البحث الثاني: التقدير ما أنزل هؤلاء الآيات ونظيره قوله: والعيش بعد أولئك الأقوام.
وقوله بصائر أي حججا بينة كأنها بصائر العقول وتحقيق الكلام أن المعجزة فعل خارق للعادة فعله فاعله لغرض تصديق المدعى ومعجزات موسى عليه الصلاة والسلام كانت موصوفة