الرداء عن اليد فرفعناه فإذا اليد قد برأت بإذن الله تعالى وجميل صنعه. أما سائر الصحابة فأحوالهم في هذا الباب كثيرة فنذكر منها شيئا قليلا. الأول: روى محمد بن المنكدر عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في خيسة فيها أسد فخرج الأسد إلي يريدني فقلت: يا أبا الحرث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم ودلني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني ورجع. الثاني: روى ثابت عن أنس أن أسيد بن حضير ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما حتى ذهب من الليل زمان ثم خرجا من عنده وكانت الليلة شديدة الظلمة وفي يد كل واحد منهما عصا فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها فلما انفرق بينهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى في ضوئها حتى بلغ منزله. الثالث: قالوا لخالد بن الوليد إن في عسكرك من يشرب الخمر فركب فرسه ليلة فطاف بالعسكر فلقي رجلا على فرس ومعه زق خمر، فقال ما هذا؟ قال: خل، فقال خالد: اللهم اجعله خلا. فذهب الرجل إلى أصحابه فقال: أتيتكم بخمر ما شربت العرب مثلها! فلما فتحوا فإذا هو خل فقالوا: والله ما جئتنا إلا بخل؟ فقال هذا والله دعاء خالد بن الوليد. الرابع: الواقعة المشهورة وهي أن خالد بن الوليد أكل كفا من السم على اسم الله وما ضره. الخامس: روي أن ابن عمر كان في بعض أسفاره فلقي جماعة وقفوا على الطريق من خوف السبع فطرد السبع من طريقهم ثم قال: إنما يسلط على ابن آدم ما يخافه ولو أنه لم يخف غير الله لما سلط عليه شيء. السادس: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي في غزاة فحال بينهم وبين المطلوب قطعة من البحر فدعا باسم الله الأعظم ومشوا على الماء. وفي كتب الصوفية من هذا الباب روايات متجاوزة عن الحد والحصر فمن أرادها طالعها. وأما الدلائل العقلية القطعية على جواز الكرامات فمن وجوه:
الحجة الأولى: أن العبد ولي الله قال الله تعالى: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) والرب ولي العبد قال تعالى: * (الله ولي الذين آمنوا) * (البقرة: 257) وقال: * (وهو يتولى الصالحين) * (الأعراف: 166) وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله) * (المائدة: 55) وقال: * (أنت مولانا) * (البقرة: 286) وقال: * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا) * (محمد: 11) فثبت أن الرب ولي العبد وأن العبد ولي الرب وأيضا الرب حبيب العبد والعبد حبيب الرب قال تعالى: * (يحبهم ويحبونه) * (المائدة: 54) وقال: * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * (البقرة: 165) وقال: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * (البقرة: 222) وإذا ثبت هذا فنقول: العبد إذا بلغ في الطاعة إلى حيث يفعل كل ما أمره الله وكل ما فيه رضاه وترك كل ما نهى الله وزجر عنه فكيف يبعد أن يفعل الرب الرحيم الكريم مرة واحدة ما يريده العبد بل هو أولى لأن العبد مع لؤمه وعجزه لما فعل كل ما يريده الله ويأمره به فلأن يفعل الرب الرحيم مرة واحدة ما أراده العبد كان أولى ولهذا قال تعالى: * (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * (البقرة: 45).
الحجة الثانية: لو امتنع إظهار الكرامة لكان ذلك إما لأجل أن الله ليس أهلا لأن يفعل مثل هذا الفعل أو لأجل أن المؤمن ليس أهلا لأن يعطيه الله هذه العطية، والأول: قدح في