أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * (الإسراء: 88) فلما كان قبل هذه الآية في وصف القرآن وما بعدها كذلك وجب أيضا أن يكون المراد من هذا الروح القرآن حتى تكون آيات القرآن كلها متناسبة متناسقة وذلك لأن القوم استعظموا أمر القرآن فسألوا أنه من جنس الشعر أو من جنس الكهانة فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من جنس كلام البشر وإنما هو كلام ظهر بأمر الله ووحيه وتنزيله فقال: * (قل الروح من أمر ربي) * أي القرآن ظهر بأمر ربي وليس من جنس كلام البشر. والقول الثاني: أن الروح المسؤول عنه في هذه الآية ملك من ملائكة السماوات وهو أعظمهم قدرا وقوة وهو المراد من قوله تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * (النبأ: 38) ونقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ويخلق الله من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة قالوا ولم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش ولو شاء أن يبتلع السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن بلقمة واحدة لفعل، ولقائل أن يقول هذا القول ضعيف وبيانه من وجوه. الأول: أن هذا التفصيل لما عرفه علي، فالنبي أولى أن يكون قد عرفه فلم لم يخبرهم به، وأيضا أن عليا ما كان ينزل عليه الوحي، فهذا التفصيل ما عرفه إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشرح والبيان لعلي ولم يذكره لغيره. الثاني: أن ذلك الملك إن كان حيوانا واحدا وعاقلا واحدا لم يكن في تكثير تلك اللغات فائدة وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانا آخر لم يكن ذلك ملكا واحدا بل يكون ذلك مجموع ملائكة. والثالث: أن هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه، أما الروح الذي هو سبب الحياة فهو شيء تتوفر دواعي العقلاء على معرفته فصرف هذا السؤال إليه أولى. والقول الرابع: وهو قول الحسن وقتادة أن هذا الروح جبريل والدليل عليه أنه تعالى سمى جبريل بالروح في قوله: * (نزل به الروح الأمين * على قلبك) * (الشعراء: 193، 194) وفي قوله: * (فأرسلنا إليها روحنا) * (مريم: 17) ويؤكد هذا أنه تعالى قال: * (قل الروح من أمر ربي) * (في جبريل) وقال (حكاية عن) جبريل: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * (مريم: 64) فسألوا الرسول كيف جبريل في نفسه وكيف قيامه بتبليغ الوحي إليه. والقول الخامس: قال مجاهد: الروح خلق ليسوا من الملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورؤوس وقال أبو صالح يشبهون الناس وليسوا بالناس ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسك به في إثبات هذا القول وأيضا فهذا شيء مجهول فيبعد صرف هذا السؤال إليه فحاصل ما ذكرناه في تفسير الروح المذكور في هذه الآية هذه الأقوال الخمسة والله أعلم بالصواب.
المسألة الثالثة: في شرح مذاهب الناس في حقيقة الإنسان، اعلم أن العلم الضروري حاصل بأن ها هنا شيئا إليه يشير الإنسان بقوله أنا وإذا قال الإنسان علمت وفهمت وأبصرت