فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا) * اعلم أن المقصود: اضرب مثلا آخر يدل على حقارة الدنيا وقلة بقائها والكلام متصل بما تقدم من قصة المشركين المتكبرين على فقراء المؤمنين فقال: * (واضرب لهم) * أي لهؤلاء الذين افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين: * (مثل الحياة الدنيا) * ثم ذكر المثل فقال: * (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) * وحينئذ يربو ذلك النبات ويهتز ويحسن منظره كما قال تعالى: * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * (الحج: 5) ثم إذا انقطع ذلك مدة جف ذلك النبات وصار هشيما، وهو النبت المتكسر المتفتت. ومنه قوله: هشمت أنفه وهشمت الثريد. وأنشد: عمرو الذي هشم الثريد لأهله * ورجال مكة مسنتون عجاف وإذا صار النبات كذلك طيرته الرياح وذهبت بتلك الأجزاء إلى سائر الجوانب: * (وكان الله على كل شيء مقتدرا) * بتكوينه أولا وتنميته وسطا وإبطاله آخرا وأحوال الدنيا أيضا كذلك تظهر أولا في غاية الحسن والنضارة ثم تتزايد قليلا قليلا ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن تنتهي إلى الهلاك والفناء؛ ومثل هذا الشيء ليس للعاقل أن يبتهج به. والباء في قوله: * (فاختلط به نبات الأرض) * فيه وجوه. الأول: التقدير فاختلط بعض أنواع النبات بسائر الأنواع بسبب هذا الماء وذلك لأن عند نزول المطر يقوي النبات ويختلط بعضه بالبعض ويشتبك بعضه بالبعض ويصير في المنظر في غاية الحسن والزينة. والثاني: فاختلط ذلك الماء بالنبات واختلط ذلك النبات بالماء حتى روى ورف رفيفا. وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منها بصفة صاحبه.
قوله تعالى * (المال والبنون زينة الحيوة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * لما بين تعالى أن الدنيا سريعة الانقراض والانقضاء مشرفة على الزوال والبوار والفناء بين تعالى أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا والمقصود إدخال هذا الجزء تحت ذلك الكل وسنعقد منه قياس الإنتاج وهو أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا وكل ما كان من زينة الدنيا فهو سريع الانقضاء والانقراض ينتج إنتاجا بديهيا أن المال والبنين سريعة الانقضاء والانقراض. ومن المقتضى البديهي أن ما كان كذلك فإنه يقبح بالعاقل أن يفتخر به أو يفرح بسببه أو يقيم له