السلام. والجواب عن السؤال الأول: أما على قول من قال إنه لم يطلب خصوص الولد فالسؤال زائل، وأما على قول من قال إنه طلب الولد فالجواب عنه أن المقصود من قوله: * (أنى يكون لي غلام) * هو التعجب من أنه تعالى يجعلهما شابين ثم يرزقهما الولد أو يتركهما شيخين ويرزقهما الولد مع الشيخوخة بطريق الاستعلام لا بطريق التعجب، والدليل عليه قوله تعالى: * (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) * ( الأنبياء: 89، 90) وما هذا الإصلاح إلا أنه أعاد قوة الولادة وقد تقدم تقرير هذا الكلام، وذكر السدي في الجواب وجها آخر فقال: إنه لما سمع النداء بالبشارة جاءه الشيطان فقال: إن هذا الصوت ليس من الله تعالى بل هو من الشيطان يسخر منك، فلما شك زكريا قال: * (أنى يكون لي غلام) * واعلم أن غرض السدي من هذا أن زكريا عليه السلام لو علم أن المبشر بذلك هو الله تعالى لما جاز له أن يقول ذلك فارتكب هذا، وقال بعض المتكلمين هذا باطل قطعا إذ لو جوز الأنبياء في بعض ما يرد عن الله تعالى أنه من الشيطان لجوزوا في سائره ولزالت الثقة عنهم في الوحي وعنا فيما يوردونه إلينا ويمكن أن يجاب عنه بأن هذا الاحتمال قائم في أول الأمر وإنما يزول بالمعجزة فلعل المعجزة لم تكن حاصلة في هذه الصورة فحصل الشك فيها دون ما عداها والله أعلم، والجواب عن السؤال الثاني من وجوه: الأول: أن قوله: * (إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) * (مريم: 7) ليس نصا في كون ذلك الغلام ولدا له بل يحتمل أن زكريا عليه السلام راعى الأدب ولم يقل هذا الكلام هل يكون لي ولد أم لا، بل ذكر أسباب تعذر حصول الولد في العادة حتى أن تلك البشارة إن كانت بالولد فالله تعالى يزيل الإبهام ويجعل الكلام صريحا فلما ذكر ذلك صرح الله تعالى بكون ذلك الولد منه فكان الغرض من كلام زكريا هذا لا أنه كان شاكا في قدرة الله تعالى عليه. الثاني: أنه ما ذكر ذلك للشك لكن على وجه التعظيم لقدرته وهذا كالرجل الذي يرى صاحبه قد وهب الكثير الخطير فيقول أنى سمحت نفسك بإخراج مثل هذا من ملكك! تعظيما وتعجبا. الثالث: أن من شأن من بشر بما يتمناه أن يتولد له فرط السرور به عند أول ما يرد علي استثبات ذلك الكلام إما لأن شدة فرحه به توجب ذهوله عن مقتضيات العقل والفكر وهذا كما أن امرأة إبراهيم عليه السلام بعد أن بشرت بإسحاق قالت: * (أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب) * (هود: 72) فأزيل تعجبها بقوله: * (أتعجبين من أمر الله) * (هود: 73) وإما طلبا للالتذاذ بسماع ذلك الكلام مرة أخرى، وإما مبالغة في تأكيد التفسير.
قوله تعالى * (قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في قوله: * (قال ربك هو هين) * وجوه. أحدها: أن الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديقا له ثم ابتدأ قال ربك. وثانيها: نصب يقال وذلك إشارة إلى مبهم تفسيره