لموسى عليه السلام على أن العلم لا يحصل إلا بتعليم الله وحفظه على القلب والخاطر، أما قوله: * (فاتخذ سبيله في البحر سربا) * ففيه وجوه. الأول: أن يكون التقدير سرب في البحر سربا إلا أنه أقيم قوله فاتخذ مقام قوله سرب والسرب هو الذهاب ومنه قوله: * (وسارب بالنهار) * (الرعد: 10). الثاني: أن الله تعالى أمسك إجراء الماء على البحر وجعله كالطاق والكوة حتى سرى الحوت فيه فلما جاوز أي موسى وفتاه الموعد المعين وهو الوصول إلى الصخرة بسبب النسيان المذكور وذهبا كثيرا وتعبا وجاعا: * (قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال) * الفتى: * (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) * الهمزة في أرأيت همزة الاستفهام ورأيت على معناه الأصلي وقد جاء هذا الكلام على ما هو المتعارف بين الناس فإنه إذا حدث لأحدهم أمر عجيب قال لصاحبه أرأيت ما حدث لي؟ كذلك ههنا كأنه قال: أرأيت ما وقع لي منه إذ أوينا إلى الصخرة، فحذف مفعول أرأيت لأن قوله: * (فإني نسيت الحوت) * يدل عليه ثم قال: * (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) * وفيه مباحث:
البحث الأول: أنه اعتراض وقع بين المعطوف والمعطوف عليه والتقدير فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجبا، والسبب في وقوع هذا الاعتراض ما يجري مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان.
البحث الثاني: قال الكعبي: * (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) * يدل على أنه تعالى ما خلق ذلك النسيان وما أراده وإلا كانت إضافته إلى الله تعالى أوجب من إضافته إلى الشيطان لأنه تعالى إذا خلقه فيه لم يكن لسعي الشيطان في وجوده ولا في عدمه، أثر قال القاضي: والمراد بالنسيان أن يشتغل قلب الإنسان بوساوسه التي هي من فعله دون النسيان الذي يضاد الذكر لأن ذلك لا يصح أن يكون إلا من قبل الله تعالى.
البحث الثالث: قوله: أن أذكره بدل من الهاء في أنسانيه أي: وما أنساني ذكره إلا الشيطان ثم قال: * (واتخذ سبيله في البحر عجبا) * وفيه وجوه: الأول: أن قوله عجبا صفة لمصدر محذوف كأنه قيل واتخذ سبيله في البحر اتخاذا عجبا ووجه كونه عجبا انقلابه من المكتل وصيرورته حيا وإلقاء نفسه في البحر على غفلة منهما. والثاني: أن يكون المراد منه ما ذكرنا أنه تعالى جعل الماء عليه كالطاق وكالسرب. الثالث: قيل إنه تم الكلام عند قوله: * (واتخذ سبيله في البحر) * ثم قال بعده: عجبا والمقصود منه تعجبه من تلك العجيبة التي رآها ومن نسيانه لها وقيل إن قوله عجبا حكاية لتعجب موسى وهو ليس بقوله، ثم قال تعالى: * (قال ذلك ما كنا نبغ) * أي قال موسى ذلك الذي كنا نطلبه لأنه أمارة الظفر بالمطلوب وهو لقاء الخضر وقوله نبغ أصله نبغي فحذفت الياء طلبا للتخفيف لدلالة الكسرة عليه، وكان القياس أن لا يحذف لأنهم إنما يحذفون الياء في الأسماء وهذا فعل إلا أنه قد يجوز على ضعف القياس حذفها لأنها تحذف مع الساكن الذي يكون بعدها كقولك ما نبغي اليوم؟ فلما حذفت مع الساكن حذفت أيضا مع غير الساكن ثم قال فارتدا على آثارهما أي