ولأن آدم حين طلب الوصول إلى درجة الملائكة ما كان من الأنبياء، وعلى هذا التقدير فزال الاستدلال. والثاني: إن بتقدير " أن " تكون هذه الواقعة وقعت في زمان النبوة فلعل آدم عليه السلام رغب في أن يصير من الملائكة في القدرة والقوة والشدة أو في خلقة الذات بأن يصير جوهرا نورانيا، وفي أن يصير من سكان العرش والكرسي، وعلى هذا التقدير يسقط الاستدلال.
السؤال الثالث: نقل أن عمرو بن عبيد قال للحسن في قوله: إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وفي قوله: وقاسمهما قال عمر وقلت للحسن: فهل صدقاه في ذلك. فقال الحسن معاذ الله لو صدقاه لكانا من الكافرين ووجه السؤال: إنه كيف يلزم هذا التكفير بتقدير: أن يصدقا إبليس في ذلك القول.
والجواب: ذكروا في تقرير ذلك التكفير أنه عليه السلام لو صدق إبليس في الخلود لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة، وأنه كفر. ولقائل أن يقول: لا نسلم أنه يلزم من ذلك التصديق حصول الكفر؟ وبيانه من وجهني: الأول: أن لفظ الخلود محمول على طول المكث لا على الدوام، وعلى هذا الوجه يندفع ما ذكروه.
الوجه الثاني: هب أن الخلود مفسر بالدوام، إلا أنا نسلم أن اعتقاد الدوام يوجب الكفر وتقريره أن العلم بأنه تعالى هل يميت هذا المكلف أو لا يميته، علم لا يحصل إلا من دليل السمع فلعله تعالى ما بين في وقت آدم عليه السلام أنه يميت الخلق، ولما لم يوجد ذلك الدليل السمعي كان آدم عليه السلام يجوز دوام البقاء، فلهذا السبب رغب فيه، وعلى هذا التقدير: فالتكفير غير لازم.
السؤال الرابع: ثبت بما سبق أن آدم وحواء لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفيرهما، فهل يقولون إنهما صدقاه فيه قطعا؟ وإن لم يحصل القطع فهل يقولون إنهما ظنا أن الأمر كما قال؟ أو ينكرون هذا الظن أيضا.
والجواب: أن المحققين أنكروا حصول هذا التصديق قطعا وظنا، بل الصواب أنهما إنما أقدما على الأكل لغلبة الشهوة، لا أنهما صدقاه علما أو ظنا كما نجد أنفسنا عند الشهوة نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه، وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال.
السؤال الخامس: قوله: * (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) * هذا الترغيب والتطميع وقع في مجموع الأمرين أو في أحدهما.
والجواب: قال بعضهم: الترغيب كان في مجموع الأمرين، لأن أدخل في الترغيب. وقيل: بل هو على ظاهره على طريقة التخيير.