المريد منا مريدا والقاصد قاصدا وأنه بالصفة التي إذا كنا نحن عليها سمينا قادرين عند أحوال تظهر منهم ليست بأسباب لكونهم قادرين ولا دالة على ذلك ولكنا نضطر عند مشاهدتها والعلم بها إلى كونهم قاصدين وأنهم بصفة القادرين على سبيل وضع العادة ومستقرها كما نضطر إلى خجل الخجل ووجل الوجل وشجاعة الشجاع أو جبن الجبان عند أمور تظهر منهم ليست بأسباب الشجاعة والجبن ولا دالة عليها ولكن العادة جارية بحصول العلم الضروري بأحوالهم عند حصولها وإذا كان ذلك كذلك ولم نكن مضطرين إلى العلم بأن النجوم مختارة قادرة حية ولا عالمين بذلك من جهة الاستدلال لفقد الدليل عليه ثبت أنه لا سبيل لهم إلى العلم بأنها حية قادرة.
وعلى أنه لو قال قائل إن ما يظهر من حركات النجوم وسيرها ودوران الفلك على نمط واحد وسجية واحدة غير مختلفة يدل على أنها مجبولة على ذلك ومضطرة إليه ومطبوعة عليه على قول أصحاب الطباع لكان ذلك أقرب لأن المطبوع المجبول على الفعل من شأنه أن يكون ما يضطر إليه على سجية واحدة وليس كذلك المتصرف باختياره لأنه يفعل الشيء وضده وخلافه فتأثيرات هذه النجوم لما تؤثره على سنن واحد يجري مجرى تأثير النار والثلج للتسخين والتبريد على سجية واحدة وتأثير الطعام والشراب وما جرى مجرى ذلك فما ظهر من حركاتها أقرب إلى أن يدل على قول أصحاب الطباع.
فأما استدلال من استدل منهم على حياة الفلك الأعظم وهذه الأفلاك التي دونه لعظم أجرامها وضيائها وإشراقها وعلو شأنها فإنه من وساوس النفوس وذلك أن عظم الجسم وعلو مكانه وشدة إشراقه وضيائه لا يدل على كونه حيا وكذلك ظلمة الجسم ولطافته وصغر شأنه لا يدل على المنع من كونه حيا لأنه قد يكون