الآية: قل أحل لكم أيها الناس في حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبات وصيد ما علمتموه الصيد من كواسب السباع والطير. فقوله: مكلبين صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه، وهو نظير قول القائل يخاطب قوما: أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم في حال كونهم أهل إيمان الطيبات، وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه بها، فكذلك قوله: أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين لذلك نظيره في أن التكليب للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها، لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب.
القول في تأويل قوله تعالى: تعلمونهن مما علمكم الله.
يعني جل ثناؤه بقوله: تعلمونهن: تؤدبون الجوارح، فتعلمونهن طلب الصيد لكم مما علمكم الله، يعني بذلك: من التأديب الذي أدبكم الله والعلم الذي علمكم.
وقد قال بعض أهل التأويل: معنى قوله: مما علمكم الله: كما علمكم الله. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: تعلمونهن مما علمكم الله يقول: تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله.
ولسنا نعرف في كلام العرب من بمعنى الكاف، لان من تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض، والكاف بمعنى التشبيه. وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنياهما، فأما إذا اختلفت معانيهما فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر، وكتاب الله وتنزيله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن صبيح، قال: ثنا أبو هانئ، عن أبي بشر، قال: ثنا عامر، أن عدي بن حاتم الطائي، قال: أتى رجل رسول الله (ص) يسأله عن صيد الكلاب، فلم يدر ما يقول له، حتى نزلت هذه الآية: تعلمونهن مما علمكم الله.