اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به من الايمان وجه النهار، والكفر آخره، فقال بعضهم: كان ذلك أمرا منهم إياهم بتصديق النبي (ص) في نبوته، وما جاء به من عند الله وأنه حق، في الظاهر من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك، وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: * (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره) * فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضا بدينهم أول النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدقوكم، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.
حدثني المثنى، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا خالد، عن حصين، عن أبي مالك في قوله: * (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره) * قال:
قالت اليهود: آمنوا معهم أول النهار، واكفروا آخره، لعلهم يرجعون معكم.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) * كان أحبار قرى عرينة اثني عشر حبرا، فقالوا لبعضهم:
ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا نشهد أن محمدا حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدثونا أن محمدا كاذب، وأنكم لستم على شئ، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلهم يشكون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أول النهار، فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل رسوله (ص) بذلك.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري، قال: قالت اليهود بعضهم لبعض: أسلموا أول النهار، وارتدوا آخره، لعلهم يرجعون. فأطلع الله على سرهم، فأنزل الله عز وجل: * (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) *.
وقال آخرون: بل الذي أمرت به من الايمان: الصلاة، وحضورها معهم أول النهار، وترك ذلك آخره. ذكر من قال ذلك: