حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) *... الآية، إلى قوله:
* (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * قال: فدعاهم إلى النصف، وقطع عنهم الحجة، يعني وفد نجران.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ثم دعاهم رسول الله (ص) - يعني الوفد من نصارى نجران - فقال: * (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) *... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، قال: قال: يعني جل ثناؤه: * (إن هذا لهو القصص الحق) * - في عيسى على ما قد بيناه فيما مضى - قال:
* (فأبوا) *، يعني الوفد من نجران، فقال: ادعهم إلى أيسر من هذا، * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) *. فقرأ حتى بلغ: * (أربابا من دون الله) * فأبوا أن يقبلوا هذا ولا الآخر.
وإنما قلنا: عنى بقوله: * (يا أهل الكتاب) *: أهل الكتابين، لأنهما جميعا من أهل الكتاب، ولم يخصص جل ثناؤه بقوله: * (يا أهل الكتاب) * بعضا دون بعض، فليس بأن يكون موجها ذلك إلى أنه مقصود به أهل التوراة بأولى منه، بأن يكون موجها إلى أنه مقصود به أهل الإنجيل، ولا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التوارة. وإذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر، لأنه لا دلالة على أنه المخصوص بذلك من الآخر، ولا أثر صحيح، فالواجب أن يكون كل كتابي معنيا به، لان إفراد العبادة لله وحده، وإخلاص التوحيد له، واجب على كل مأمور منهي من خلق الله، وأهل الكتاب يعم أهل التوراة وأهل الإنجيل، فكان معلوما بذلك أنه عني به الفريقان جميعا.
وأما تأويل قوله: * (تعالوا) * فإنه: أقبلوا وهلموا، وإنما هو تفاعلوا من العلو، فكأن القائل لصاحبه: تعالى إلي، فإنه تفاعل من العلو، كما يقال: تدان مني من الدنو، وتقارب مني من القرب. وقوله: * (إلى كلمة سواء) * فإنها الكلمة العدل، والسواء: من نعت الكلمة.