فلما فصل جل ثناؤه بين نبيه محمد (ص) وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل أمره - إن هم تولوا عما دعاهم إليه من الاقرار بوحدانية الله، وأنه لا ولد له ولا صاحبة، وأن عيسى عبده ورسوله وأبوا إلا الجدل والخصومة - أن يدعوهم إلى الملاعنة، ففعل ذلك رسول الله (ص). فلما فعل ذلك رسول الله (ص) انخذلوا، فامتنعوا من الملاعنة ودعوا إلى المصالحة، كالذي.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عامر، قال: فأمر - يعني النبي (ص) - بملاعنتهم - يعني بملاعنة أهل نجران - بقوله: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) *.. الآية. فتواعدوا أن يلاعنوه، وواعدوه الغد، فانطلقوا إلى السيد والعاقب، وكانا أعقلهم فتابعاهم، فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول الله (ص) فقال: ما صنعتم! وندمهم، وقال لهم: إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه الله فيكم أبدا، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا. قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم: إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الذي فارقتموه عليه، فقولوا: نعوذ بالله!
فإن دعاكم أيضا، فقولوا له: نعوذ بالله! ولعله أن يعفيكم من ذلك. فلما غدوا، غدا النبي (ص) محتضنا حسنا آخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه، فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس، فقالوا: نعوذ بالله! ثم دعاهم، فقالوا: نعوذ بالله! مرارا. قال: فإن أبيتم فأسلموا، ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، كما قال الله عز وجل، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، كما قال الله عز وجل، قالوا: ما نملك إلا أنفسنا.
قال: فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء، كما قال الله عز وجل، قالوا: ما لنا طاقة بحرب العرب، ولكن نؤدي الجزية. قال: فجعل عليهم في كل سنة ألفي حلة، ألفا في رجب وألفا في صفر. فقال النبي (ص): قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر أو العصافير على الشجر، لو تموا على الملاعنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال: فقلت للمغيرة: إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم!
فقال: أما الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي، أو لم يكن في الحديث.