يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والارشاد لما قد بينا في كتابنا المسمى بلطيف البيان عن أصول الاحكام، لقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (1). ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل من أداء أو إبراء على ما قد بينا. فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ قال: (حقا على المحسنين) و (حقا على المتقين) (1) أنها غير واجبة لأنها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتقي وغير المتقي.
فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين، ومن المتقين، وما وجب من حق على أهل الاحسان والتقى، فهو على غيرهم أوجب، ولهم ألزم.
وبعد، فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله: (ومتعوهن) وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس، قال الله تعالى ذكره فيما أوجب لها من ذلك، الدليل الواضح (2) أن ذلك حق واجب لكل مطلقة بقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) وإن كان قال: (حقا على المتقين) (1).
ومن أنكر ما قلنا في ذلك، سئل عن المتعة (3) للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، فإن أنكر وجوبه خرج من قول جميع الحجة، ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارا زكاة، والدافعين زكاة العروض إذا كانت للتجارة، وما أشبه ذلك. فإن أوجب ذلك لها، سئل الفرق بين وجوب ذلك لها، والوجوب لكل مطلقة، وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنه حق على المحسنين، كما شرط فيما جعل للاخر بأنه حق على المتقين، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الاخر مثله.
وأجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شئ لها على زوجها المطلقها غير المتعة. ذكر بعض من قال ذلك من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم:
4115 - حدثنا أبو كريب ويونس بن عبد الأعلى، قالا: ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن