يزيد في وصيته لهم، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث، فذلك أيضا هو من الاصلاح بينهم بالمعروف.
وإنما اخترنا هذا القول لان الله تعالى ذكره قال: فمن خاف من موص جنفا أو إثما يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم. فخوف الجنف والاثم من الموصي إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والاثم، فأما بعد وجوده منه فلا وجه للخوف منه بأن يجنف أو يأثم، بل تلك حال من قد جنف أو أثم، ولو كان ذلك معناه قيل: فمن تبين من موص جنفا أو إثما، أو أيقن أو علم، ولم يقل فمن خاف منه جنفا. فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال: فما وجه الاصلاح حينئذ والاصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشئ؟ قيل: إن ذلك وإن كان من معاني الاصلاح، فمن الاصلاح الاصلاح بين الفريقين فيما كان مخوفا حدوث الاختلاف بينهم فيه بما يؤمن معه حدوث الاختلاف لان الاصلاح إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه.
فإن قال قائل: فكيف قيل: فأصلح بينهم، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين أو المخوف اختلافهم ذكر؟ قيل: بل قد جرى ذكر الله الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم، وهم والدا الموصي وأقربوه والذين أمروا بالوصية في قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ثم قال تعالى ذكره: " فمن خاف من موص " لمن أمرته بالوصية له جنفا أو إثما فأصلح بينهم وبين من أمرته بالوصية له، فلا إثم عليه والاصلاح بينه وبينهم هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي.
وقد قرئ قوله: فمن خاف من موص بالتخفيف في الصاد والتسكين في الواو وبتحريك الواو وتشديد الصاد، فمن قرأ ذلك بتخفيف الصاد وتسكين الواو فإنما قرأه بلغة من قال: أوصيت فلانا بكذا. ومن قرأ بتحريك الواو وتشديد الصاد قرأه بلغة من يقول:
وصيت فلانا بكذا، وهما لغتان للعرب مشهورتان وصيتك وأوصيتك. وأما الجنف فهو الجور والعدول عن الحق في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا * وإنا من لقائهم لزور