كل ألوان الجهاد، كجهاد النفس، والاستقامة في مواجهة مشاكل الحياة)، ثم يوصي ثانيا بالصبر والثبات والاستقامة أمام الأعداء، وهذا بنفسه يفيد أن الأمة ما لم تتغلب وتنتصر في جهادها مع النفس، وفي إصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلية يستحيل انتصارها على الأعداء، وهذا يعني أن أكثر هزائمها أمام أعدائها إنما هي بسبب ما لحق بها من هزائم في جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات في إصلاح نقاط الضعف التي تعاني منها.
كما وأنه يستفاد من هذا التعليم " صابروا " أن على المسلمين أن يضاعفوا من صبرهم ومن ثباتهم كلما ضاعف العدو من صبره وثباته ومقاومته وعناده.
3 - " ورابطوا " وهذه العبارة مشتقة من مادة " الرباط " وتعني ربط شئ في مكان (كربط الخيل في مكان)، ولهذا يقال لمنزل المسافرين " الرباط "، ويقال أيضا ربط على قلبه بمعنى أنه أعطاه السكينة، وملأه بالطمأنينة وكأن قلبه أنشد إلى مكان، وارتكز على ركن وثيق، و " المرابطة " بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم.
وهذه العبارة أمر صريح إلى المسلمين بأن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة الأعداء، وأن يكونوا في حالة تحفز وتيقظ ومراقبة مستمرة لثغور البلاد الإسلامية وحدودها حتى لا يفاجأوا بهجمات العدو المباغتة، كما أنه حث على التأهب الكامل لمواجهة الشيطان، والأهواء الجامحة حتى لا تباغتهم وتأخذهم على حين غرة وغفلة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث عن الإمام علي (عليه السلام) تفسير المرابطة بانتظار الصلاة بعد الصلاة، لأن من حافظ على يقظة روحه وضميره بهذه العبادات المستمرة المتلاحقة، كان كالجندي المتأهب لمواجهة الأعداء على الدوام.
وخلاصة القول: إن للمرابطة معنى وسيعا يشمل كل ألوان الدفاع عن النفس والمجتمع.