الطريف في هذا الأمر أن الهجرة - أي تلك الهجرة التي كانت لأجل حفظ النفس وحماية الشريعة الإسلامية - تعتبر مبدأ - أو بداية - التاريخ الإسلامي، وهي بذلك تعد البنية الأساسية لكل الأحداث السياسية والاعلامية والاجتماعية للمسلمين.
فلننظر لماذا انتخبت هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مبدأ - أو بداية - للتاريخ الإسلامي؟
إن هذا الموضوع جدير بالملاحظة، لأننا نعلم أن أي مجموعة بشرية صغرت أو كبرت، تتخذ لنفسها مبدأ أو بداية تاريخية تحسب منه تاريخها، فالمسيحيون مثلا اتخذوا بداية تاريخهم السنة التي ولد فيها عيسى (عليه السلام)، أما المسلمون فمع وجود أحداث مهمة كثيرة وقعت لهم قبل الهجرة، مثل يوم ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويوم البعثة المحمدية الشريفة، وفتح مكة، ووفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنهم لم يتخذوا أي واحد من الأحداث مبدأ أو بداية لتاريخهم، بل اعتبروا حادثة الهجرة وحدها بداية للتاريخ الإسلامي.
إن التاريخ يقول أن المسلمين بدأوا يفكرون بتعيين بداية تاريخهم الذي له أهمية عامة وشاملة في زمن الخليفة الثاني الذي توسعت في عهده رقعة البلاد الإسلامية - وأن المسلمين بعد البحث الكثير في هذا الأمر، اختاروا رأي علي بن أبي طالب (عليه السلام) باتخاذ حادثة الهجرة النبوية الشريفة مبدأ وبداية للتاريخ الإسلامي (1).
والحقيقة أن هذا الاختيار كان هو المتعين، لأن الهجرة كانت أهم والمع حدث أو برنامج حصل للإسلام، وكانت الهجرة مبدأ فصل جديد مهم في التاريخ الإسلامي، فالمسلمون حين وجودهم في مكة كانوا يمارسون تعلم شؤونهم