الحياة المادية الدنيئة، ويعتبرونها أرفع وأكبر من الأهداف الإلهية المقدسة والأهداف الإنسانية السامية، فلا يمكن أن يكونوا أبدا مجاهدين صالحين.
وتستمر الآية مبينة أن مصير المجاهدين الحقيقيين الذين باعوا الحياة الدنيا بالآخرة واضح لا يخرج عن حالتين: إما النصر على الأعداء، أو الشهادة في سبيل الله، وهم في كلتا الحالتين ينالون الأجر والثواب العظيم من الله تعالى...
ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وبديهي أن جنودا كهؤلاء لا يفهمون معنى الهزيمة، فهم يرون النصر إلى جانبهم في الحالتين: سواء تغلبوا على العدو، أو نالوا الشهادة في سبيل الله، ومثل هذه المعنويات كفيلة بأن تمهد الطريق للانتصار على العدو، ويعتبر التاريخ خير شاهد على أن هذه المعنويات هي العامل في انتصار المسلمين على أعداء فاقوهم عددا وعدة.
ويؤكد هذا الأمر حتى المفكرون من غير المسلمين ممن كتبوا عن انتصارات المسلمين السريعة التي حققوها في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي العصور التالية، فهؤلاء المفكرون يرون أن منطق الفوز بإحدى الحسنيين أحد العوامل الحاسمة في تقدم المسلمين.
يقول مؤرخ غربي مشهور في كتاب له في هذا المجال: إن المسلمين لم يكونوا ليخافوا الموت في سبيل دينهم الجديد، لما وعدوا به من هبات إلهية في الآخرة، وأنهم لم يعتقدوا بأصالة خلود هذه الحياة الدنيا، ولذلك فهم قد تنازلوا عن هذه الحياة في سبيل العقيدة والهدف (1).
والجدير ذكره هنا هو أن هذه الآية - وآيات أخرى من القرآن الكريم - اعتبرت الجهاد أمرا مقدسا إذا كان في سبيل الله، ومن أجل إنقاذ البشر، وإحياء مبادئ الحق والعدالة والطهارة والتقوى، على عكس الحروب التي تشن بهدف التوسع وبدافع من التعصب والتوحش والإستعمار والاستغلال.