بسرعة، ويتوبوا إلى الله، لأن التوبة الكاملة هي التي تغسل آثار الجريمة وتزيل رواسبها من الجسم والروح بشكل مطلق حتى لا يبقى أي أثر منه في القلب، ولا يمكن هذا إلا إذا تاب الإنسان وندم قبل أن تتجذر المعصية في كيانها، وتتعمق آثارها في وجوده فتكون له طبيعة ثانية، إذ في غير هذه الصورة ستبقى آثار المعصية في زوايا الروح الإنسانية، وتعشعش في خلايا قلبه، فالتوبة الكاملة - إذن - هي التي تتحقق عقيب وقوع الذنب في أقرب وقت، ولفظة " قريب " أنسب مع هذا المعنى من حيث اللغة والفهم العرفي.
صحيح أن التوبة التي تقع بعد زمن طويل من ارتكاب المعصية تقبل أيضا، إلا أنها ليست التوبة الكاملة، ولعل التعبير بجملة " على الله " (أي على الله قبولها) كذلك إشارة إلى هذا المعنى، لأن مثل هذا التعبير لم يرد في غير هذا المورد من القرآن الكريم، ومفهومه هو أن قبول التوبة القريبة من زمن المعصية حق من حقوق العباد، في حين ان قبول التوبة البعيدة عن زمن المعصية تفضل من الله وليس حقا.
ثم أنه سبحانه - بعد ذكر شرائط التوبة - يقول: فأولئك يتوب عليهم وكان الله عليما حكيما مشيرا بذلك إلى نتيجة التوبة التي توفرت فيها الشروط المذكورة.
ثم يقول تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كافر... وهو إشارة إلى من لا تقبل توبته.
وعلة عدم قبول هذا النوع من التوبة واضحة، لأن الإنسان عند الاحتضار في رحاب الموت تنكشف له الأستار، فيرى ما لم يكن يراه من قبل، فهو يرى بعد انكشاف الغطاء عن عينيه بعض الحقائق المتعلقة بالعالم الآخر، ويشاهد بعينيه نتائج أعماله التي ارتكبها في هذه الدنيا، وتتخذ القضايا التي كان يسمع بها صفة