كذلك أيضا. ألا ترى أن الندي والنادي: هما المجلس، فمن ذلك قوله تعالى * (وتأتون في ناديكم المنكر) *. ويدل على ذلك قوله: * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا) * فإنه لا يراد به الحدث، إنما يراد به حسن الشارة، والهيئة، والمنظر، وهذا إنما يكون في الأماكن.
وأما قوله * (ورئيا) * قال أبو علي: رؤي فعل من رأيت، فكأنه اسم لما ظهر، وليس المصدر. وإنما المصدر الرأي والرؤية. يدل على ذلك قوله * (يرونهم مثليهم رأي العين) *. فالرأي الفعل. والرئي: المرئي. كالطحن والطحن، والسقي والسقي، والرعي والرعي. ومن خفف الهمزة من * (ورئيا) * لزم أن يبدل منها الياء، لانكسار ما قبلها، كما يبدل من ذئب وبئر، فإذا أبدل منها الياء، وقعت ساكنة قبل حرف مثله، فلا بد من الإدغام. وليس يجوز الإظهار في هذا كما جاز إظهار الواو في نحو رؤيا، ورؤية يعني إذا خففت الهمزة فيها، لأن الياء في ريا قبل مثل. ووقعت في رؤيا قبل ما يجري مجرى المقارب.
قال ابن جني: من قرأ * (وريا) * مشددة فإنه فعل إما من رأيت، وإما من رويت، وأصله، وهو من الهمزة وريا كرعيا، فخففت الهمزة، وأبدلت ياء، وأدغمت الياء الثانية. ويجوز أن يكون من رويت، لأن للريان نضارة وحسنا، فيتفق معناه، ومعنى * (وزيا) * بالزاي، وأصله على هذا زوي، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت في الياء. وأما * (ريا) * مخففة فيحتمل أن يكون مقلوبة من فعل إلى فعل فصار في التقدير * (رئيا) *. ثم حذفت الهمزة، وألقيت حركتها على الياء قبلها، فصارت * (ريا) *. ويحتمل أن يكون * (ريا) * من رويت، ثم خففت بحذف إحدى الياءين، فصارت * (ريا) *. وأما الزي بالزاي ففعل من زويت أي: جمعت ذلك، وذلك أنه يقال لمن له شئ واحد من آلته: له زي، حتى يكثر آلته المستحسنة، وأنشد ابن دريد:
أهاجتك الظعائن يوم باتوا * بذي الزي الجميل من الأثاث اللغة: الحتم: القطع بالأمر. والحتم، والجزم، والقطع، بمعنى. والندي والنادي: المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله، ومنه دار الندوة: وهي دار قصي بمكة، وكانوا يجتمعون فيه للتشاور، تيمنا به. وقد ندوت القوم أندوهم: إذا جمعتهم في مجلس، وأصل الندى أنه مجلس أهل الندى: وهو الكرم، قال حاتم: