بأنها نذرت لله صمتا، لأنه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت، ولم تنذر، لأن ذلك كذب، عن أبي علي الجبائي.
* (فأتت به قومها تحمله) * أي: فأتت مريم بعيسى، حاملة له، وذلك أنها لفته في خرقة، وحملته إلى قومها * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * أي: أمرا عظيما بديعا، إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل، عن مجاهد، وقتادة، والسدي. وقيل:
أمرا قبيحا منكرا من الافتراء: وهو الكذب، عن الجبائي * (يا أخت هارون) * قيل فيه أقوال أحدها: إن هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل، ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، عن ابن عباس، وقتادة، وكعب، وابن زيد، والمغيرة بن شعبة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: انه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا، كلهم يسمى هارون. فقولهم * (يا أخت هارون) * معناه: يا شبيهة هارون في الصلاح، ما كان هذا معروفا منك وثانيها: إن هارون كان أخاها لأبيها، ليس من أمها، وكان معروفا بحسن الطريقة، عن الكلبي وثالثها: إن هارون أخو موسى عليه السلام فنسبت إليه، لأنها من ولده، كما يقال يا أخا تميم، عن السدي ورابعها: انه كان رجلا فاسقا، مشهورا بالعهر والفساد، فنسبت إليه. وقيل لها: يا شبيهته في قبح فعله، عن سعيد بن جبير.
* (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) * أي: كان أبواك صالحين، فمن أين جئت بهذا الولد * (فأشارت إليه) * أي: فأومت إلى عيسى عليه السلام بأن كلموه، واستشهدوه على براءة ساحتي، فتعجبوا من ذلك ثم * (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) * معناه: كيف نكلم صبيا في المهد. وقيل: صبيا في الحجر رضيعا.
وكان المهد حجر أمه الذي تربيه فيه، إذ لم تكن هيأت له مهدا، عن قتادة. وقيل:
إنهم غضبوا عند إشارتها إليه، وقالوا: لسخريتها بنا أشد علينا من زناها! فلما تكلم عيسى عليه السلام قالوا: إن هذا الأمر عظيم، عن السدي.
* (قال) * عيسى عليه السلام * (إني عبد الله) * قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية، وكأن الله سبحانه أنطقه بذلك، لعلمه بما يقوله الغالون فيه. ثم قال * (آتاني الكتاب وجعلني نبيا) * أي: حكم لي بإتيان الكتاب والنبوة. وقيل: إن الله تعالى أكمل عقله في صغره، وأرسله إلى عباده، وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت، مكلفا عاقلا. ولذلك كانت له تلك المعجزة، عن الحسن، والجبائي.