وروي عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها، فنفخ فيه نفخة، فكمل الولد في الرحم من ساعته، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر، فخرجت من المستحم، وهي حامل محج مثقل. فنظرت إليها خالتها فأنكرتها. ومضت مريم على وجهها مستحية من خالتها، ومن زكريا * (فانتبذت به مكانا قصيا) * أي: تنحت بالحمل إلى مكان بعيد. وقيل: معناه انفردت به مكانا بعيدا من قومها، حياء من أهلها، وخوفا من أن يتهموها بسوء. واختلفوا في مدة حملها، فقيل: ساعة واحدة. قال ابن عباس: لم يكن بين الإنتباذ والحمل إلا ساعة واحدة، لأنه تعالى لم يذكر بينهما فصلا، لأنه قال * (فحملته فانتبذت به) * * (فأجاءها) *، والفاء للتعقيب. وقيل:
حملت به في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، حين زاغت الشمس من يومها، وهي بنت عشر سنين، عن مقاتل. وقيل: كانت مدة حملها تسع ساعات وهذا مروي عن أبي عبد الله عليه السلام. وقيل: ستة أشهر. وقيل: ثمانية أشهر. وكان ذلك آية، وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره * (فأجاءها المخاض) * أي: ألجأها الطلق أي: وجع الولادة * (إلى جذع النخلة) * فالتجأت إليها لتستند إليها، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي. وقيل: أجاءها أي: جاء بها.
قال ابن عباس: نظرت مريم إلى أكمة فصعدت مسرعة إليها، فإذا عليها جذع نخلة نخرة، ليس لها سعف. والجذع: ساق النخلة. والألف واللام دخلت للعهد، لا للجنس أي: النخلة المعروفة. فلما ولدت * (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) * أي: شيئا حقيرا متروكا، عن ابن عباس. وقيل: شيئا لا يذكر، ولا يعرف، عن قتادة. وقيل: حيضة ملقاة، عن عكرمة، والضحاك، ومجاهد. قال ابن عباس: فسمع جبرائيل كلامها، وعرف جزعها * (فناداها من تحتها) * وكان أسفل منها تحت أكمة.
* (ألا تحزني) * وهو قول السدي، وقتادة، والضحاك. إن المنادي جبرائيل ناداها من سفح الجبل. وقيل: ناداها عيسى، عن مجاهد، والحسن، ووهب، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وابن جرير، والجبائي. وإنما تمنت عليهما السلام الموت كراهية لأن يعصي الله فيها. وقيل: استحياء من الناس أن يظنوا بها سوءا، عن السدي، وروي عن الصادق عليه السلام. لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها من السوء * (قد جعل ربك تحتك سريا) * أي: ناداها جبرائيل، أو عيسى، ليزول ما عندها من الغم والجزع. لا تغتمي، قد جعل ربك تحت قدميك نهرا تشربين منه،