صبيا) * أي: آتيناه النبوة في حال صباه، وهو ابن ثلاث سنين، عن ابن عباس.
وروى العياشي بإسناده، عن علي بن أسباط، قال: قدمت المدينة وأنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر، محمد بن علي الرضا عليه السلام، وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إلي، فقال لي: يا علي! إن الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، قال: * (فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) *. وقال: * (وآتيناه الحكم صبيا) * فقد يجوز أن يعطي الحكم ابن أربعين سنة، ويجوز أن يعطاه الصبي.
وقيل: إن الحكم الفهم، وهو أنه أعطي فهم الكتاب، حتى حصل له عظيم الفائدة، عن مجاهد وعن معمر قال: إن الصبيان قالوا ليحيى: إذهب بنا لنلعب.
فقال: ما للعب خلقنا، فأنزل الله فيه * (وآتيناه الحكم صبيا) *. وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا عليه السلام. * (وحنانا من لدنا) * والحنان: العطف والرحمة، أي: وآتيناه رحمة من عندنا، عن ابن عباس، وقتادة، والحسن. وقيل: معناه تحننا على العباد، ورقة قلب عليهم، ليدعوهم إلى طاعة الله تعالى، عن الجبائي. وقيل:
معناه محبة منا، عن عكرمة، وأصله الشفقة والرقة، ومنه حنين الناقة: وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها. وقيل: معناه تحنن الله عليه، كان إذا قال: يا رب! قال الله: لبيك يا يحيى. وهو المروي عن الباقر عليه السلام. وقيل: معناه تعطفا منا، عن مجاهد. فهذه خمسة أقوال. * (وزكاة) * أي: وعملا صالحا زاكيا، عن قتادة، والضحاك، وابن جريج. وقيل: زكاة لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء، عن الحسن. وقيل: يعني بالزكاة طاعة الله، والإخلاص، عن ابن عباس. وقيل: معناه وصدقة تصدق الله به على أبويه، عن الكلبي. وقيل: معناه وزكيناه بحسن الثناء عليه كما يزكي الشهود الانسان، عن الجبائي. فهذه خمسة أقوال.
* (وكان تقيا) * أي: مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه. قالوا: وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة، ولم يهم بها. (سؤال): يقال لم أضاف الله سبحانه كونه زكاة إلى نفسه، وهو إنما كان مطيعا زكيا بفعله؟ (وجوابه): إنه إنما صار كذلك بالطاف من الله، لا سيما في تلك الحالة من الصغر، ولأنه إنما اهتدى بهداية الله إياه.
* (وبرا بوالديه) * أي: بارا بوالديه، محسنا إليهما، مطيعا لهما، لطيفا بهما، طالبا مرضاتهما.