* (فاختلف الأحزاب من بينهم) * الاختلاف في المذهب: أن يعتقد كل قوم خلاف ما يعتقده الآخرون. والأحزاب: جمع حزب، وهو الجمع المنقطع في رأيه عن غيره. وتحزبوا: أي: صاروا أحزابا. فالمعنى أن الأحزاب من أهل الكتاب اختلفوا في عيسى عليه السلام. فقال قوم منهم: هو الله وهم اليعقوبية. وقال آخرون: هو ابن الله وهم النسطورية. وقال آخرون: هو ثالث ثلاثة وهم الإسرائيلية. وقال المسلمون: هو عبد الله، عن قتادة، ومجاهد. وإنما قال * (من بينهم) * لأن منهم من ثبت على الحق. وقيل: إن * (من) * زائدة، والمعنى اختلفوا بينهم * (فويل) * أي:
فشدة عذاب، وهي كلمة وعيد * (للذين كفروا) * بالله بقولهم في المسيح * (من مشهد يوم عظيم) * المشهد بمعنى الشهود والحضور أي: من حضورهم ذلك اليوم، وهو يوم القيامة، وسمي عظيما لعظم أهواله. وقيل: ويل لهم من مجمع يوم أي: من الفضيحة على رؤوس الجمع يومئذ * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * قيل فيه وجهان أحدهما: ان التقدير صاروا ذوي سمع وبصر، والجار والمجرور، في موضع رفع، لأنه فاعل أسمع. والمعنى ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، وإن كانوا في الدنيا صما وبكما عن الحق، عن الحسن. ومعناه: الإخبار عن قوة علومهم بالله تعالى في تلك الحال. ومثله قوله * (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) *.
* (لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) * يعني أن الكافرين في الدنيا آثروا الهوى على الهدى، فهم في ذهاب عن الدين، وعدول عن الحق، والمراد أنهم في الدنيا جاهلون، وفي الآخرة عارفون، حيث لا تنفعهم المعرفة. وقال أبو مسلم: وهذا يدل على أن قوله سبحانه * (صم بكم عمي) * ليس معناه الآفة في الأذن، واللسان، والعين، بل هو إنهم لا يتدبرون ما يسمعون، ويرون، ولا يعتبرون. ألا ترى أنه جعل قوله * (لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) * في مقابلته، فأقام السمع والبصر مقام الهدى، إذ جعله في مقابلة الضلال المبين والثاني: إن معناه أسمعهم وأبصرهم أي: بصرهم، وبين لهم أنهم إذا أتوا مع الناس إلى موضع الجزاء، سيكونون في ضلال مبين. عن الجنة، والثواب، عن الجبائي، قال: ويجوز أن يكون المعنى:
أسمع الناس بهؤلاء الأنبياء، وأبصرهم بهم ليعرفوهم، ويعرفوا خبرهم، فيؤمنوا بهم، لكن من كفر بهم من الظالمين اليوم يعني يوم القيامة في ضلال عن الجنة، وهذا يعيد. وقد استدرك على الجبائي في قوله، والأولى والأظهر في الآية الوجه الأول.