لتنازعهم فيه، كما يقال ما صنعتم في أمركم، عن عكرمة. وقيل: إن معناه إذ يتنازعون في قدر مكثهم في الكهف، وفي عددهم، وفيما يفعل بهم بعد أن اطلعوا عليهم، وذلك أنه لما دخل الملك عليهم مع الناس، وجعلوا يسألونهم، سقطوا ميتين، فقال الملك: إن هذا الأمر عجيب، فما ترون؟ فاختلفوا، فقال بعضهم:
ابنوا عليهم بنيانا كما تبنى المقابر. وقال بعضهم: اتخذوا مسجدا على باب الكهف. وهذا التنازع كان منهم بعد العلم بموتهم، عن ابن عباس.
* (فقالوا) * أي: قال مشركو ذلك الوقت * (ابنوا عليهم بنيانا) * أي: استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان، كما يقال: بنى عليه جدارا: إذا حوطه، وجعله وراء الجدار * (ربهم أعلم بهم) * معناه: ربهم أعلم بحالهم فيما تنازعوا فيه.
وقيل: إنه قال ذلك بعضهم، ومعناه ربهم أي: خالقهم الذي أنامهم وبعثهم، أعلم بحالهم، وكيفية أمرهم. وقيل: معناه ربهم أعلم بهم أأحياء نيام هم، أم أموات.
فقد قيل: إنهم ماتوا. وقيل: إنهم لا يموتون إلى يوم القيامة * (قال الذين غلبوا على أمرهم) * يعني الملك المؤمن وأصحابه. وقيل: أولياء أصحاب الكهف من المؤمنين. وقيل: رؤساء البلد الذين استولوا على أمرهم، عن الجبائي * (لنتخذن عليهم مسجدا) * أي: معبدا وموضعا للعبادة والسجود، يتعبد الناس فيه ببركاتهم.
ودل ذلك على أن الغلبة كانت للمؤمنين. وقيل: مسجدا يصلي فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا، عن الحسن. وقد روي أيضا أن أصحاب الكهف، لما دخل صاحبهم إليهم، وأخبرهم بما كانوا عنه غافلين من مدة مقامهم، سألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى حالتهم الأولى، فأعادهم إليها، وحال بين من قصدهم وبين الوصول إليهم، بأن أضلهم عن الطريق إلى الكهف الذي كانوا فيه، فلم يهتدوا إليه.
ثم بين سبحانه تنازعهم في عددهم، فقال: * (سيقولون) * أي: سيقول قوم من المختلفين في عددهم * (ثلاثة) * أي: هم ثلاثة * (رابعهم كلبهم ويقولون) * أي:
ويقول آخرون هم * (خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) * أي: قذفا بالظن من غير يقين، عن قتادة * (ويقولون) * أي: ويقول آخرهم هم * (سبعة وثامنهم كلبهم) * وقيل: إن هذا إخبار من الله تعالى بأنه سيقع نزاع في عددهم، ثم وقع ذلك، لما وفد نصارى نجران إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبية منهم: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقالت النسطورية: كانوا خمسة سادسهم كلبهم.