فصلها إذا ذكرتها، عن الضحاك، والسدي. قال السيد الأجل المرتضى، قدس الله روحه: إعلم أن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة، فقد يدخل في الإيمان، والطلاق، والعتاق، وسائر العقود، وما يجري مجراها من الأخبار، فإذا دخل في ذلك اقتضى التوقف عن إمضاء الكلام، والمنع من لزوم ما يلزم به، ولذلك يصير ما يتكلم به، كأنه لا حكم له. ولذلك يصح على هذا الوجه أن يستثني الانسان في الماضي، فيقول: قد دخلت الدار إن شاء الله تعالى، ليخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا، أو يلزم به حكم، وإنما لم يصح دخوله في المعاصي، على هذا الوجه، لأن فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى، والمعاصي لا يصح ذلك فيها. وهذا الوجه أحد ما يحتمله تأويل الآية.
وقد يدخل الاستثناء في الكلام، ويراد به اللطف، والتسهيل، وهذا الوجه يختص بالطاعات، ولهذا جرى قول القائل: لأقضين غدا ما علي من الدين، أو لأصلين غدا إن شاء الله، مجرى أن يقول: إني فاعل إن لطف الله تعالى فيه وسهله. ومتى قصد الحاف هذا الوجه، لم يجب إذا لم يقع منه الفعل، أن يكون حانثا، أو كاذبا، لأنه إذا لم يقع، علمنا أنه لم يلطف فيه، لأنه لا لطف له. وهذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية، لأنه يختص الطاعات، والآية تتناول كل ما لم يكن قبيحا، بدلالة إجماع المسلمين على حسن استثناء ما تضمنه في كل فعل لم يكن قبيحا. وقد يدخل الاستثناء في الكلام، ويراد به التسهيل، والإقدار، والتخلية، والبقاء على ما هو عليه، من الأحوال. وهذا هو المراد إذا دخل في المباحات، وهذا الوجه يمكن في الآية، وقد يدخل. في الكلام استثناء المشيئة في الكلام، وإن لم يرد به شئ من المتقدم ذكره، بل يكون الغرض الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد به إلى شئ من هذه الوجوه. ويكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا، لأنه في الحكم كأنه قال: لأفعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى، وإظهاري الحاجة إليه. وهذا الوجه أيضا يمكن في الآية، ومتى تؤمل جملة ما ذكرناه من الكلام، عرف به الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها من يذهب إلى خلاف العدل من قولهم لو كان الله تعالى إنما يريد الطاعات من الأفعال، دون المعاصي، لوجب إذا قال عليه الدين لغيره، وطالبه به: والله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله أن يكون كاذبا، أو حانثا، إذا لم يفعل، لأن الله تعالى قد شاء ذلك