الأجنبية من الأولى في العطف بالواو، نحو قام زيد، وخرج عمرو، وزيد قائم، وبكر خارج. والآخر: أن يتبع الثانية الأولى بغير حرف عطف، كقوله سبحانه * (انهم كانوا قبل ذلك محسنين) * * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) *. ويقول في آية أخرى * (وكانوا يصرون) * بالواو. وقوله * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) *.
والدليل على أن هذا نوع آخر خارج عن الأنواع الثلاثة، أن قوله * (وثامنهم كلبهم) * بعد الجملة المحذوف مبتدأها، لا يخلو من أن يكون حالا، أو صفة، أو تفسيرا، أو جملة منقطعة من الأول. ولا يجوز أن يكون في موضع الحال، لأن ما قبلها من الكلام لا معنى فعل فيه عاملا في الحال. والحال لا بدلها من عامل فيها.
ولا يمكن أن يجعل المبتدأ المضمر هذا وما أشبهه من أسماء الإشارة، فينتصب الحال عنها، لأن المخبر عنهم هاهنا ليسوا بمشار إليهم في وقت الإخبار، وإنما المراد الإخبار عن عددهم. ولو كانوا بحيث يشار إليهم، لم يقع الاختلاف في عددهم.
ولا يجوز أن يكون تفسيرا، لأن التفسير هو المفسر في المعنى. ولا يجوز أن يكون شئ من جزء الجملة التي هي * (رابعهم كلبهم) * شيئا من جزء التي هي هم ثلاثة، ولا يجوز أيضا أن يكون صفة للنكرة التي قبلها، لأنه لا يخلو في الوصف من أحد أمرين: إما أن يعمل اسم فاعل، كما يعمل سائر أسماء الفاعلين الجارية على أفعالها، فيرتفع ما بعده به. وإما أن يجعل جملة في موضع وصف، ولا يعمل اسم الفاعل عمل الفعل، فيكون مبتدأ وخبرا، ولا يجوز الأول، لأنه في معنى الماضي، والماضي لا يقدر فيه الانفصال، وإنما يقدر في الحاضر والآتي، لأنه كما أعرب من الأفعال المضارعة ما كان حاضرا وآتيا، كذلك لم يعمل الماضي من أسماء الفاعلين.
ولولا المضي لم يمتنع إعمال قوله رابعهم وسادسهم، ولا تكون أيضا الجملة صفة لثلاثة، كما توصف النكرات بالجمل، لأن هذه جملة مستأنفة، وليست على حد الصفة، بل على حد ما بعدها من قوله * (وثامنهم كلبهم) *، فحذفت الواو، واستغني عنها. إذا كانت إنما تذكر لتدل على الاتصال. وما في الجملة من ذكر ما في الأولى، كأنه يستغنى به عن ذكر الواو، لأن الحرف يدل على إيصاله، وما في الجملة من ذكر ما تقدمها اتصال أيضا، فيستغنى به، ويكتفى بذلك منه. وهذا فصل جامع في النحو جليل الموقع، كثير الفائدة، إذا تأمله المتأمل حق التأمل، وأحكمه، أشرف به على كثير من المسائل إن شاء الله. وأما من قال: إن هذه الواو