النزول: نزلت الآية الأولى في سلمان، وأبي ذر، وصهيب، وعمار، وحباب، وغيرهم من فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم: عيينة بن الحصين، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله! إن جلست في صدر المجلس، ونحيت عنا هؤلاء روائح صنانهم (1)، وكانت عليهم جبات الصوف، جلسنا نحن إليك، وأخذنا عنك، فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء! فلما نزلت الآية قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلتمسهم، فأصابهم في مؤخر المسجد، يذكرون الله، عز وجل، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات!
المعنى: ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر مع المؤمنين، فقال: * (واصبر نفسك) * يا محمد أي: احبس نفسك * (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * أي: يداومون على الصلاة والدعاء عند الصباح والمساء، لا شغل لهم غيره، ويستفتحون يومهم بالدعاء، ويختمونه بالدعاء * (يريدون وجهه) * أي: رضوانه.
وقيل: يريدون تعظيمه والقربة إليه، دون الرياء، والسمعة * (ولا تعد عيناك عنهم) * أي: ولا تتجاوز عيناك عنهم، بالنظر إلى غيرهم من أبناء الدنيا.
* (تريد زينة الحياة الدنيا) * تريد في موضع الحال أي: مريدا مجالسة أهل الشرف والغنى. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على إيمان العظماء من المشركين، طمعا في إيمان أتباعهم، ولم يمل إلى الدنيا وزينتها قط، ولا إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحايين للرؤساء، طمعا في إيمانهم، فعوتب بهذه الآية، وأمر بالاقبال على فقراء المؤمنين، وأن لا يرفع بصره عنهم، مريدا مجالسة الاشراف * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) * قيل في معناه أقوال أحدها: إن معناه ولا تطع من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا بتعريضه للغفلة، ولهذا قال * (واتبع هواه) *. ومثله * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * وثانيها: أغفلنا قلبه أي: نسبنا قلبه إلى الغفلة، كما يقال أكفره إذا نسبه إلى الكفر، وسماه كافرا، كقول الكميت:
وطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسئ ومذنب