في إنزاله فقال: * (لينذر بأسا شديدا من لدنه) * ومعناه: ليخوف العبد الذي أنزل عليه الكتاب الناس عذابا شديدا، ونكارا، وسطوة من عند الله تعالى، إن لم يؤمنوا به * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) * معناه: وليبشر المصدقين بالله ورسوله، الذين يعملون الطاعات بعد الإيمان، ان لهم ثوابا حسنا في الآخرة على إيمانهم وطاعاتهم في الدنيا، وذلك الثواب هو الجنة * (ماكثين فيه أبدا) * أي: لابثين في ذلك الثواب، خالدين مؤبدين، لا ينتقلون عنه * (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) * أي: وليحذر الكفار الذين قالوا الملائكة بنات الله، وهم قريش، عن الحسن، ومحمد بن إسحاق. وقيل: هم اليهود والنصارى، عن السدي، والكلبي. فعم جميع الكفار بالإنذار في الآية الأولى، وخص في هذه الآية القائلين بهذه المقالة منهم، لتقليدهم الآباء في ذلك، ولاصرارهم على الجهل، وقلة التفكر، ولصدهم الناس عن الدين * (ما لهم به من علم ولا لآبائهم) * أي: ليس لهؤلاء القائلين بهذا القول الشنيع علم به، ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل ما هم عليه اليوم، وإنما يقولون ذلك عن جهل وتقليد من غير حجة. وقيل: معناه ليس لهم بالله من علم، ولا لآبائهم.
* (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) * أي: عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء الكفار، ووصف الكلمة بالخروج من الأفواه توسعا ومجازا، وإن كانت الكلمة عرضا لا يجوز عليها الدخول والخروج، ولا الحركة والسكون، ولكن لما كانت الكلمة قد تحفظ وتثبت، وتوجد مكتوبة ومقروءة في غير الموضع الذي فعلت فيه، وصفها بالخروج، وذكر الأفواه تأكيدا، والمعنى أنهم صرحوا بهذه الكلمة العظيمة في القبح، وأظهروها * (إن يقولون إلا كذبا) * أي: ما يقول هؤلاء إلا كذبا وافتراء على الله * (فلعلك) * يا محمد * (باخع نفسك على آثارهم) * أي مهلك وقاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، تمردا منهم على ربهم * (إن لم يؤمنوا) * أي: إن لم يصدقوا * (بهذا الحديث) * أي: بهذا القرآن الذي أنزل عليك * (أسفا) * أي حزنا وتلهفا ووجدا، بادبارهم عنك، وإعراضهم عن قبول ما آتيتهم به. وقيل: على آثارهم أي: بعد موتهم لشدة شفقتك عليهم. وقيل: معناه من بعد توليتهم وإعراضهم عنك. وقيل: أسفا أي غيظا وغضبا، عن ابن عباس، وقتادة. وهذه معاتبة من الله سبحانه لرسوله على شدة وجده، وكثرة حرصه على إيمان قومه، حتى بلغ ذلك به مبلغا يقربه إلى الهلاك.