قال: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد، أم هؤلاء. ويكون منصوبا بلبثوا، ويكون أحصى متعلقا بلما. فيكون المعنى أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد.
قال أبو علي: ان انتصابه على التمييز عندي غير مستقيم، وذلك لأنه لا يخلو من أن يحمل أحصى على أن يكون فعلا ماضيا، أو أفعل، نحو أحسن وأعلم، فلا يجوز أن يكون أحصى بمعنى أفعل من كذا، وغير مثال للماضي من وجهين أحدهما: إنه يقال أحصى يحصي، وفي التنزيل * (أحصاه الله ونسوه) * وأفعل يفعل لا يقال فيه هو أفعل من كذا. وأما قولهم ما أولاه بالخير، وما أعطاه الدرهم، فمن الشاذ النادر الذي حكمه أن يحفظ، ولا يقاس عليه والآخر: إن ما ينتصب على التمييز في نحو قولهم هو أكثر مالا، وأعز علما، يكون في المعنى فاعلا. ألا ترى أن المال هو الذي كثر، والعلم هو الذي عز، وليس ما في الآية كذلك، ألا ترى أن الأمد ليس هو الذي أحصى، فهو خارج عن حد هذه الأسماء. وإذا كان ماضيا كان المعنى لنعلم أي الحزبين أحصى أمدا للبثهم، فيكون الأمد على هذا منتصبا بأنه مفعول به، والعامل فيه أحصى.
النزول: محمد بن إسحاق بإسناده عن سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس أن النضر بن الحرث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، وخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقالا لهم ما قالت قريش، فقال لهما أحبار اليهود: إسألوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل، فهو رجل متقول، فرأوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف، قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو. وفي رواية أخرى فإن أخبركم عن الثنتين، ولم يخبركم بالروح، فهو نبي.
فانصرفا إلى مكة، فقالا: يا معاشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم، وبين محمد. وقصا عليهم القصة. فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسألوه، فقال: أخبركم بما سألتم عنه غدا، ولم يستثن، فانصرفوا عنه، فمكث صلى الله عليه وآله وسلم، خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبرائيل، حتى أرجف أهل مكة، وتكلموا