* (إن الذين أوتوا العلم من قبله) * أي: أعطوا علم التوراة من قبل نزول القرآن كعبد الله بن سلام وغيره، فعلموا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه، عن ابن عباس.
وقيل: إنهم أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم. وقيل: إنهم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن * (إذا يتلى عليهم) * القرآن * (يخرون للأذقان سجدا) * أي: يسقطون على الوجوه ساجدين، عن ابن عباس، وقتادة. وإنما خص الذقن لأن من سجد كان أقرب شئ منه إلى الأرض ذقنه، والذقن مجمع اللحيين.
* (ويقولون سبحان ربنا) * أي: تنزيها لربنا عز اسمه عما يضيف إليه المشركون * (إن كان وعد ربنا لمفعولا) * إنه كان وعد ربنا مفعولا حقا يقينا، ولم يكن وعد ربنا إلا كائنا * (ويخرون للأذقان يبكون) * أي: ويسجدون باكين إشفاقا من التقصير في العبادة، وشوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب * (ويزيدهم) * ما في القرآن من المواعظ * (خشوعا) * أي: تواضعا لله تعالى، واستسلاما لأمر الله، وطاعته. ثم قال سبحانه: * (قل) * يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين نبوتك * (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * وذكر في سببه أقوال أحدها: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ساجدا ذات ليلة بمكة، يدعو: يا رحمان يا رحيم، فقال المشركون: هذا يزعم أن له إلها واحدا، وهو يدعو مثنى مثنى، عن ابن عباس وثانيها: إن المشركين قالوا: أما الرحيم فنعرفه، وأما الرحمن فلا نعرفه، عن ميمون بن مهران وثالثها: إن اليهود قالوا: إن ذكر الرحمن في القرآن قليل، وهو في التوراة كثير، عن الضحاك.
* (أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) * معناه: أي أسمائه تدعو. و * (ما) * ها هنا: صلة، كقوله: * (عما قليل ليصبحن نادمين) *. وقيل: هي بمعنى أي شئ كررت مع أي لاختلاف اللفظين توكيدا، كما قالوا: ما رأيت كالليلة ليلة، وتقديره:
أي شئ من أسمائه تدعونه به كان جائزا، فإن معنى * (أو) * في قوله * (أو ادعوا الرحمن) * الإباحة أي: إن دعوتم بأحدهما كان جائزا، وإن دعوتم بهما كان جائزا، فله الأسماء الحسنى، فإن أسماءه تنبئ عن صفات حسنة، وأفعال حسنة. فأما أسماؤه المنبئة عن صفات ذاته، فهو: القادر، العالم، الحي، السميع، البصير، القديم. وأما أسماؤه المنبئة عن صفات أفعاله الحسنة فنحو: الخالق، والرازق، والعدل، والمحسن، والمجمل، والمنعم، والرحمن، والرحيم. وأما ما أنبأ عن المعاني الحسنة فنحو: الصمد، فإنه يرجع إلى أفعال عباده، وهو أنهم يصمدونه في الحوائج. ونحو: المعبود والمشكور.