عليهما، والمراد بالذل هاهنا اللين والتواضع، دون الهوان، من خفض الطائر جناحه: إذا ضم فرخه إليه، فكأنه سبحانه قال: ضم أبويك إلى نفسك، كما كانا يفعلان بك، وأنت صغير. وإذا وصفت العرب إنسانا بالسهولة، وترك الآباء، قالوا: هو خافض الجناح.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: معناه لا تملأ عينيك من النظر إليهما، إلا برأفة ورحمة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يديك فوق أيديهما، ولا تتقدم قدامهما. * (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * معناه: ادع لهما بالمغفرة والرحمة في حياتهما، وبعد مماتهما، جزاء لتربيتهما إياك في صباك. وهذا إذا كانا مؤمنين. وفي هذا دلالة على أن دعاء الولد لوالده الميت مسموع، وإلا لم يكن للأمر به معنى. وقيل: إن الله تعالى أوصى الأبناء بالوالدين لقصور شفقتهم، ولم يوص الوالدين بالأبناء لوفور شفقتهم، وذكر حال الكبر لأنهما أحوج في تلك الحال إلى البر. لضعفهما وكونهما كلا على الولد. ففي الحديث: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: رغم أنفه! رغم أنفه! رغم أنفه! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، ولم يدخل الجنة. أورده مسلم في الصحيح.
وروى أبو أسيد الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، قال قتادة: هكذا علمتم، وبهذا أمرتم، فخذوه بتعليم الله وأدبه * (ربكم أعلم) * أي: أكثر معلوما. وقيل:
أثبت علما، فإنه سبحانه أعلم بأن الجسم حادث من الانسان العالم بذلك * (بما في نفوسكم) * أي: بما تضمرون من البر والعقوق، فمن ندرت منه نادرة، وهو لا يضمر عقوقا، غفر الله له ذلك. وقيل: معناه إنه أعلم بجميع ما في ضمائركم. وهذا أوجه * (إن تكونوا صالحين) * أي: طائعين لله.
* (فإنه كان للأوابين غفورا) * والأواب: التواب المتعبد، الراجع عن ذنبه عن مجاهد. وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. وقيل: إن الأولين المطيعون المحسنون، عن قتادة. وقيل: إنهم الذين يذنبون ثم يتوبون. ثم يذنبون ثم يتوبون، عن سعيد بن المسيب. وقيل: هم الراجعون إلى الله فيما ينوبهم، عن ابن