ولعلهم يتفكرون (44)) *.
القراءة: قرأ حفص: * (نوحي) * بالنون. وقد تقدم ذكره في سورة يوسف.
وروي عن علي عليه السلام: * (لنثوينهم) * بالثاء. والقراءة: * (لنبوأنهم) * بالباء.
الحجة: قال ابن جني: نصب * (حسنة) * ههنا أي: نحسن إليهم إحسانا، ووضع حسنة موضع الإحسان، كأنه واحد من الحسن دال عليه. ودل قوله * (لنبوئنهم) * على ذلك الفعل، لأنه إذا أقرهم على الفعل، بإطالة مدتهم، فقد أحسن إليهم، كما قال: * (ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) *، وذلك ضد ما يعمل بالعاصين الذين يصطلمهم بذنوبهم، وجرائم أفعالهم.
النزول: الآية الأولى نزلت في المعذبين بمكة مثل صهيب، وعمار، وبلال، وخباب، وغيرهم، مكنهم الله بالمدينة، وذكر أن صهيبا قال لأهل مكة: أنا رجل كبير، إن كنت معكم لم ينفعكم، وإن كنت عليكم لم يضركم، فخذوا مالي ودعوني. فأعطاهم ماله وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال له أبو بكر: ربح البيع يا صهيب. ويروى أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى أحدا من المهاجرين عطاء، قال له: خذ هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما أخره لك أفضل. ثم تلا هذه الآية.
المعنى: * (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) * معناه: والذين فارقوا أوطانهم وديارهم وأهليهم، فرارا بدينهم، واتباعا لنبيهم في الله أي: في سبيله لابتغاء مرضاته من بعد ما ظلمهم المشركون، وعذبوهم بمكة، وبخسوهم حقوقهم * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) * أي: بلدة حسنة بدل أوطانهم، وهي المدينة، عن ابن عباس. وقيل: لنعطينهم حالة حسنة وهي النصر والفتح. وقيل: هي ما استولوا عليه في البلاد، وفتح لهم من الولايات * (ولأجر الآخرة أكبر) * مما أعطيناهم في الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * أي: لو كان الكفار يعلمون ذلك. وقيل: معناه لو علم المؤمنون تفاصيل ما أعد الله لهم في الجنة، لازدادوا سرورا وحرصا على التمسك بالدين.
* (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) * هذا وصف لهؤلاء المهاجرين أي: صبروا في طاعة الله على أذى المشركين، وفوضوا أمورهم إلى الله تعالى، ثقة به.
ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: * (وما أرسلنا من قبلك) * إلى الأمم الماضية * (إلا رجالا) * من البشر * (نوحي إليهم) * أي: أوحينا إليهم كما أوحينا إليك،