اللغة: البلاغ، والإبلاغ: إيصال المعنى إلى الغير، والحرص: طلب الشئ بجد واجتهاد، يقال: حرص يحرص حرصا، وحرص يحرص بكسر الراء في الماضي وفتحها في المستقبل، لغة. وقد روي في الشواذ عن الحسن، وإبراهيم * (أن تحرص) * بفتح الراء. والأول لغة أهل الحجاز، والأصل من السحابة الحارصة: وهي التي تقشر وجه الأرض. وشجة حارصة التي تقشر جلدة الرأس.
وكذلك الحرص كان صاحبه ينال من نفسه لشدة اهتمامه بما هو حريص فيه.
المعنى: ثم عاد سبحانه إلى حكاية قول المشركين، فقال: * (وقال الذين أشركوا) * مع الله إلها آخر * (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ) * أي: لو أراد الله ما عبدنا من دونه شيئا من الأصنام، والأوثان * (نحن ولا آباؤنا) * الذين اقتدينا بهم * (ولا حرمنا من دونه من شئ) * من البحيرة والسائبة وغيرهما، بل شاء ذلك منا، وأراد بذلك فعلنا، فأنكر الله سبحانه هذا القول عليهم، وقال: * (كذلك) * أي: مثل ذلك * (فعل الذين من قبلهم) * من الكفار والضلال، كذبوا رسل الله، وجحدوا آياته، قالوا مثل قولهم، وفعلوا مثل فعلهم * (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * أي: ليس عليهم إلا إبلاغ الرسالة، وقد سبق بيان مثل هذه الآية في سورة الأنعام.
* (ولقد بعثنا في كل أمة) * أي: في كل جماعة، وقرن * (رسولا) * كما بعثناك يا محمد رسولا إلى أمتك * (ان اعبدوا الله) * أي: ليقول لهم اعبدوا الله * (واجتنبوا الطاغوت) * أي: عبادة الطاغوت، وأن هذه هي المفسرة، ويعني بالطاغوت:
الشيطان، وكل داع يدعو إلى الضلالة. * (فمنهم من هدى الله) * معناه فمنهم من هداه الله، بأن لطف له بما علم أنه يؤمن عنده فآمن، فسمى ذلك اللطف هداية. ويجوز أن يريد: فمنهم من هداه الله إلى الجنة بإيمانه ولا يجوز أن يريد بالهداية هنا نصب الأدلة، كما في قوله * (فأما ثمود فهديناهم) *، لأنه سبحانه سوى في ذلك بين المؤمن و الكافر.
* (ومنهم من حقت عليه الضلالة) * معناه: ومنهم من أعرض عما دعاه إليه الرسول، فخذله الله، فثبتت عليه الضلالة، ولزمته، فلا يؤمن قط. وقيل: معناه وجبت عليه الضلالة، وهي العذاب والهلاك. وقيل: معناه ومنهم من حقت عليه عقوبة الضلالة، عن الحسن. وقد سمى الله سبحانه العقاب ضلالا، بقوله * (ان المجرمين في ضلال وسعر) *.