فلم يبق إلا داخر في مخيس، ومنجحر في غير أرضك في حجر (1) المعنى: ثم أوعد سبحانه المشركين، فقال: * (أفأمن الذين مكروا السيئات) * فاللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الانكار، ومعناه: أي شئ أمن هؤلاء القوم الذين دبروا التدابير السيئة في توهين أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإطفاء نور الدين، وإيذاء المؤمنين من * (أن يخسف الله بهم الأرض) * من تحتهم، عقوبة لهم كما خسف بقارون * (أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) *. قال ابن عباس: يعني يوم بدر، وذلك أنهم أهلكوا يوم بدر، وما كانوا يقدرون ذلك، ولا يتوقعون.
* (أو يأخذهم في تقلبهم) * يعني أو أن يأخذهم العذاب في تصرفهم في أسفارهم، وتجاراتهم. وقيل: يريد في تقلبهم في كل الأحوال، ليلا ونهارا، فيدخل في هذا تقلبهم على الفرش، يمينا وشمالا، عن مقاتل. * (فما هم بمعجزين) * أي: فليسوا بفائتين، وما يريده الله بهم من الهلاك لا يمتنع عليه * (أو يأخذهم على تخوف) * قال أكثر المفسرين: معناه على تنقص إما بقتل أو موت أي:
بنقص من أطرافهم ونواحيهم، فيأخذ منهم الأول فالأول حتى يأتي على جميعهم.
وقيل: معناه في حال تخوفهم من العذاب أي: يعذب أهل قرية، ويخوف به أهل قرية أخرى، فيتخوفون أن ينزل بهم من العذاب ما نزل بالأولى، عن الحسن.
وقيل: معناه على تنقص من الأموال والأنفس، بالبلايا والأسقام، إن لم يعذبهم بعذاب الاستئصال، لينبه غيرهم، ويزجرهم، عن الجبائي * (فإن ربكم لرؤوف رحيم) * بكم، ومن رأفته ورحمته بكم أنه أمهلكم لتتوبوا وترجعوا، ولم يعاجلكم بالعقوبة، ثم بين سبحانه دلائل قدرته، فقال: * (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ) * معناه ألم ينظروا هؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانية الله تعالى، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، إلى ما خلق الله من شئ له ظل، من شجر، وجبل، وبناء، وجسم قائم * (يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) * أي: يتميل ظلاله عن جانب اليمين، وجانب الشمال، وأضاف الظلال إلى مفرد، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال، لأن الذي يعود إليه الضمير واحد يدل على الكثرة، وهو قوله * (ما خلق الله) * ومعنى تفيؤ الظلال يمينا وشمالا: أن الشمس إذا طلعت وأنت متوجه إلى