الذكر، نحو قوله: (واذكر ربك إذا نسيت). والآخر: بمعنى الترك نحو قوله: (نسوا الله فنسيهم) أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم.
فالوجه الأول في الآية: مروي عن قتادة، وهو أن يكون محمولا على النسيان الذي هو مقابل الذكر. ويجوز ذلك على الأمة بأن يؤمروا بترك قراءتها، فينسونها على طول الأيام، ولا يجوز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه يؤدي إلى التنفير، كذا ذكره الشيخ أبو جعفر، رحمه الله، في تفسيره.
وقد جوز جماعة من المحققين ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: إنه لا يؤدي إلى التنفير لتعلقه بالمصلحة، ويجوز أيضا أن ينسيهم الله تعالى ذلك على الحقيقة، وإن كانوا جمعا كثيرا وجما غفيرا، بأن يفعل النسيان في قلوب الجميع، وإن كان ذلك خارقا للعادة، ويكون معجزا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
واستدل من حمل الآية على النسيان الذي هو خلاف الذكر، وجوز كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مرادا به بقوله سبحانه: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) أي: إلا ما شاء الله أن تنساه قال: وإلى هذا ذهب الحسن فقال: إن نبيكم أقرئ القرآن ثم نسيه. وأنكر الزجاج هذا القول فقال: إن الله تعالى قد أنبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) لتفتري علينا غيره، بأنه لا يشاء أن يذهب بما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال أبو علي الفارسي: هذا الذي احتج به على من ذهب إلى أن ننسها من النسيان، لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه، وذلك أن قوله (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ والتبديل من الأخبار، وأقاصيص الأمم، ونحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل، والذي ينساه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يجوز إن ينسخ من الأوامر والنواهي الموقوفة على المصلحة، وفي الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح.
ويدل على أن ننسها من النسيان الذي هو خلاف الذكر: قراءة من قرأ (أو تنسها) وهو قراءة سعد بن أبي وقاص، وقراءة من قرأ (أو ننسكها) وهو المروي عن سالم مولى أبي حذيفة، وقراءة من قرأ (أو تنسها) وهو المروي عن سعد بن مالك.
فالمفعول المراد المحذوف في قراءة من قرأ (أو ننسها) مظهر في قراءة من قرأ (ننسكها) ويبينه ما روي عن الضحاك أنه قرأ (ننسها) ويؤكد ذلك أيضا ما روي من