جميعا كان له أن يخرج ويخلف من شاء منهن فثبت بما ذكرنا أن القرعة إنما تستعمل فيما يسع تركها وفيما له أن يمضيه بغيرها ومن ذلك الخصمان يحضران عند الحاكم فيدعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى فينبغي للقاضي أن يقرع بينهما فأيهما قرع بدأ بالنظر في أمره وله أن ينظر في أمر من شاء منهما بغير قرعة فكان الأحسن به لبعد الظن به في هذا استعمال القرعة كما استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نسائه وكذلك عمل المسلمون في أقسامهم بالقرعة فيما قد عدلوه بين أهلهم بما لو أمضوه بينهم لا ن قرعة كان ذلك مستقيما فأقرعوا بينهم لتطمئن قلوبهم وترتفع الظنة عمن تولى لهم قسمتهم ولو أقرع بينهم على طوائف من المتاع الذي لهم قبل أن يعدل ويسوي قيمته على أملاكهم منه كان ذلك القسم باطلا فثبت بذلك أن القرعة إنما فعلت بعد أن تقدمها ما يجوز القسم به وأنها إنما أريدت لانتفاء الظن لا بحكم يجب بها فكذلك نقول كل قرعة تكون مثل هذا فهي حسنة وكل قرعة يراد بها وجوب حكم وقطع حقوق متقدمة فهي غير مستعملة ثم رجعنا إلى القولين الآخرين فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم في العبد إذا كان بين اثنين فأعتقه أحدهما فإنه حر كله ويضمن إن كان موسرا أو إن كان معسرا ففي ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في كتاب العتاق ثم وجدنا في حديث أبي المليح الهذلي عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حر كله ليس له شريك فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة التي لها عتق نصيب صاحبه فدل ذلك أن العتاق متى وقع في بعض العبد انتشر في كله وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في العبد بين اثنين إذا أعتقه أحدهما ولا مال له يحكم عليه فيه بالضمان بالسعاية على العبد في نصيب الذي لم يعتق فثبت بذلك أن حكم هؤلاء العبيد في المرض كذلك وأنه لما استحال أن يجب على غيرهم ضمان ما جاوز الثلث الذي للميت أن يوصي به ويملكه في مرضه من حب من قيمتهم وجب عليهم السعاية في ذلك للورثة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
(٣٨٤)