فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها ولم يرده على الباعة بالثمن إن كانوا قد قبضوا ذلك منه ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مطالبة عنه شيئا من الثمن الذي عليه للبائع فإن قال قائل إن الثمار لا تشبه سائر البياعات لأنها معلقة في رؤوس النخل لا يصل إليها يد من ابتاعها إلا بقطعه إياها وسائر الأشياء ليست كذلك فما يكون مقبوضا بغير قطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال المشتري وما كان لا يقبض إلا بقطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال البائع قيل له هذا الكلام فاسد من وجهين أما أحدهما فإن رأينا هذه الثمار إذا بيعت في رؤوس النخل فذهبت بكمالها أو ذهب منها شئ في أيدي باعتها ذهب ذلك من أموالهم دون أموال المشترين فكان ذهاب قليلها وكثيرها في ذلك سواء لأنهم لم يقبضوها فإذا قبضوها فذهب منها ما دون الثلث فقد أجمع أنه ذاهب من مال المشتري لأنه ذهب بعد قبضه إياه فلما أستوى ذهاب قليله وكثيره في يد البائع فكان قليله إذا ذهب في يد المشتري ذهب من ماله كان ذهاب كثيره كذلك وكان المشتري لتخلية البائع بينه وبين ثمر النخل قابضا له وإن لم يقطعه فهذا وجه ووجه آخر أنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الطعام حتى يقبض وأجمع المسلمون على ذلك وكانت الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم وأجمعوا أن المشتري لها لو باعها في يد بائعها كان بيعه باطلا ولو باعها بعد أن خلى البائع بينه وبينها ولم يقطعها كان بيعه جائزا فصار قابضا لها بتخلية البائع بينه وبينها قبل قطعه إياها فثبت بذلك أن قبض المشتري المعلقة في رؤوس النخل هو بتخلية البائع بينه وبينها وإمكانه إياه منها فإذا فعل ذلك به فقد صارت في يده وضمانه وبرئ منها البائع فما حدث فيها من جائحة أتت عليها كلها أو على بعضها فهي ذاهبة من مال المشتري لا من مال البائع وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين باب ما نهى عن بيعه حتى يقبض
(٣٦)